الإنابة إليه تعالى
الإنابة هي عكوف القلب على الله عز وجل كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه. وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبّته, وذكره بالإجلال والتعظيم, وعكوف الجوارح على طاعته, بالإخلاص له, والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم, ومن لم يعكف قلبه على الله وحده, عكف على التماثيل المتنوعة, كما قال إمام الحنفاء لقومه:{ ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} آل عمران 67. فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف, فكان حظ قومه العكوف على التماثيل, وكان حظه العكوف على الرب الجليل. والتماثيل جمع تمثال, وهي الصور الممثلة. فتعلق القلب بغير الله, واشتغاله به, والركون إليه, عكوف منه على التماثيل التي قامت بقلبه, وهو نظير العكوف على تماثيل الأصنام, ولهذا كان شرك عبادة الأصنام بالعكوف بقلوبهم وهممهم وإرادتهم على تماثيلهم, فإذا كان في القلب تماثيل قد ملكته واستعبدته بحيث يكون عاكفا عليها, فهو نظير عكوف الأصنام عليها, ولهذا سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم عبدا لها ودعا عليه بالتعس والنكس فقال:" تعس عبد الدينار, تعس عبد الدرهم, تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" البخاري في كتاب الجهاد 6\81 رقم (2887).
والناس في هذه الدار على جناح سفر كلهم, وكل مسافر فهو ظاعن مقصده ونازل على من يسرّ بالنزول عليه, وطالب الله والدار الآخرة إنما هو ظاعن إلى الله في حال سفره ونازل عليه عند القدوم عليه, فهذه همته في سفره وفي انقضائه:{ يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنّتي}(الفجر: 27 -30). وقالت امرأة فرعون:{ رب ابن لي عندك بيتا في الجنة} التحريم 11, فطلبت كون البيت عنده قبل طلبها أن يكون في الجنة, فان الجار قبل الدار