السابقون بالخيرات فهم نوعان: أبرار ومقربون
وأما السابقون بالخيرات فهم نوعان: أبرار ومقربون. وهؤلاء الأَصناف الثلاثة هم أَهل اليمين، وهم المقتصدون والأَبرار والمقربون. وأَما الظالم لنفسه فليس من أَصحاب اليمين عند الإِطلاق وإِن كان مآله إلى أصحاب اليمين كما أنه لا يسمى مؤمناً عند الإطلاق وإن كان مصيره ومآله مصير المؤمنين بعد أخذ الحق منه.
وقد اختلف فى قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} [فاطر: 33] الآية. هل ذلك راجع إلى الأصناف الثلاثة: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات، أو يختص بالقسمين الأَخيرين وهما المقتصد والسابق دون الظالم، على قولين: فذهبت طائفة إلى أَن الأَصناف الثلاثة كلهم فى الجنة، وهذا يروى عن ابن مسعود وابن عباس وأَبى سعيد الخدرى وعائشة أُم المؤمنين، قال أبو إسحق السبيعى: أَما الذى سمعت منذ ستون سنة فكلهم ناج، قال أبو داود الطيالسى: أنبأنا الصلت بن دينار: حدثنا عقبة بن صبهان الهنائى قال: سألت عائشة عن قول الله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمَنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32]، فقالت لى: يا بنى، كل هؤلاء فى الجنة، فأما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله يشهد له رسول الله بالخيرة والرزق، وأما المقتصد فمن تبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأَما الظالم لنفسه فمثلى ومثلك. قال: فجعلت نفسها معنا.
وقال ابن مسعود: هذه الأُمة يوم القيامة أثلاث: ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يوم القيامة يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وثلث يجيئون بذنوب عظام، فيقول الله: ما هؤلاء؟ وهو أعلم بهم، فتقول الملائكة: هم مذنبون إلا أَنهم لم يشركوا. فيقول الله: أدخلوهم فى سعة رحمتى، وقال كعب: تحاذت مناكبهم ورب الكعبة وتفاضلوا بأَعمالهم وقال الحسن: السابقون من رجحت حسناتهم، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته، والظالم من خفت موازينه واحتجت هذه الفرقة بأنه سبحانه سمى الكل "مصطفين"، وأخبر أنه اصطفاهم من جملة العباد، ومحال أَن يكون الكافر والمشرك من المصطفين، لأن الاصطفاء هو الاختيار، وهو الافتعال من صفوة الشيء وهو خياره، فعلم أَن هؤلاء الأصناف الثلاثة صفوة الخلق وبعضهم خير من بعض: فسابقهم مصطفى عليهم، ثم مقتصدهم مصطفى على ظالمهم، ثم ظالمهم مصطفى على الكافر والمشرك.
واحتجت أيضاً بآثار روتها تؤيد ما ذهب إليه: فمنها ما رواه سليمان الشاذكونى حدثنا حصين بن بهز عن أَبى ليلى عن أَخيه عن أَبيه عن أُسامة بن زيد عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه الآية قال: كلهم فى الجنة. ومنها ما رواه الطبرانى: حدثنا أحمد بن حماد بن رعية، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا ابن لهيعة عن أحمد بن حازم المعافرى عن صالح مولى التوأمة عن أَبى الدرداءِ قال: قرأَ النبى هذه الآية: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بإِذنِ الله} [فاطر: 32]، فقال: أَما السابق فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً، وأما الظالم فيجلس فى طول المحبس ثم يتجاوز الله عنه، ومنها ما رواه زكريا الساجى [عن الحسن بن على الواسطى عن أبى سعيد الخزاعى عن الحسن] بن سالم عن سعد بن ظريف عن أَبى هاشم الطائى قال: قدمت المدينة فدخلت مسجدها فجلست إلى سارية، فجاءَ حذيفة فقال: ألا أُحدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول: "يبعث الله تبارك وتعالى هذه الأُمة- أَو كما قال- ثلاثة أصناف، وذلك فى قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32]، فالسابق بالخيرات يدخل الجنة بلا حساب والمقتصد يحاسب حساباً يسيراً، والظالم لنفسه يدخل الجنة برحمة الله.
ومنها ما رواه الطبرانى عن محمد بن إسحاق بن راهوية: حدثنا أبى، حدثنا جرير عن الأعمش عن رجل سماه عن أَبى الدرداءِ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ الآية... قال: "السابق بالخيرات والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب، والظالم لنفسه يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة".
ومنها ما رواه ابن لهيعة عن أبى جعفر عن يونس بن عبد الرحمن عن أبى الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَاب الَّذِينَ اصطفيْنَا مِنْ عِبَادِنَا- إِلى قوله -سَابقٌ بِالْخَيْرَات} [فاطر: 32]، قال: فأَما السابقون فيدخلون الجنة بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً، وأما الظالمون فيحاسبون فيصيبهم عناءُ وكرب ثم يدخلون الجنة ثم يقولون: {الْحَمْدُ للهِ الَّذى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَرَنْ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور شَكُورٌ} [فاطر: 34] منها ما رواه الحميدى: حدثنا سفيان، حدثنا طعمة بن عمرو الجعفرى عن رجل قال: قال أبو الدرداءِ لرجل: ألا أُحدثك بحديث أخصك به لم أحدث به أحداً؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَمِنْهُمْ ظالم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمنهم سَابِقٌ بالخيَرَات} بإذن الله جَنَّاتُ عَدْنٍ قال: "دخلوا الجنة جميعاً".
واحتجت أيضاً بالآيات والأَحاديث التى تشهد بنجاة الموحدين من أهل الكبائر ودخولهم الجنة. واحتجت أيضاً بأَن ظلم النفس إِنما يراد به ظلمها بالذنوب والمعاصى، فإِن الظلم ثلاثة أَنواع: ظلم فى حق النفس باتباعها شهواتها وإيثارها لها على طاعة ربها وظلم فى حق الخلق بالعدوان عليهم ومنعهم حقوقهم، وظلم فى حق الرب بالشرك به، فظلم النفس إِنما هو بالمعاصى وقد تواترت النصوص بأَن العصاة من الموحدين مآلهم إلى الجنة.
وقالت طائفة: بل الوعد بالجنات إِنما هو للمقتصد والسابق دون الظالم لنفسه، فإِن الظالم لنفسه لا يدخل تحت الوعد المطلق والظالم لنفسه هنا هو الكافر، والمقتصد المؤمن العاصى والسابق المؤمن التقى. وهذا يروى عن عكرمة والحسن وقتادة، وهو اختيار جماعة من المفسرين منهم صاحب الكشاف ومنذر ابن سعيد فى تفسيره والرمانى وغيرهم، قالوا: وهذه الآية متناولة لجميع أقسام الخلق شقيهم وسعيدهم، وهى نظير آية [قوله تعالي]: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً فأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ما أَصْحَابُ المَشأَمَة وَالْسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 7- 10]، قالوا: فأصحاب الميمنة هم المقتصدون وأصحاب المشأمة [هم] الظالمون لأنفسهم، والسابقون السابقون هم السابقون بالخيرات.
قالوا: ولم [يصطفى] الله من خلقه ظالماً لنفسه، بل المصطفون من عباده هم صفوته وخيارهم والظالمون لأنفسهم ليسوا خيار العباد بل شرارهم، فكيف يوقع عليهم [اسم المصطفين وتناولهم فعل الأصطفاء؟ قالوا: فأيضاً صفوة الله هم أحباؤه والله لا يحب الظالمين فلا يكونون مصطفين قالوا: ولن الظالم لنفسه وإن كان] ممن أورث الكتاب، فهو بتركه العمل بما فيه قد ظلم نفسه والله [تعالي] إِنما اصطفى من عباده من أورثة كتابه ليعمل بما فيه فأما من نبذه وراء ظهوره فليس من المصطفين من عباده قالوا: ولأن الاصطفاء افتعال من صفوة الشيء وهو خلاصته ولبه، وأصله اصتفى فأُبدلت التاءُ طاءً لوقوعها بعد الصاد كالاصطباح والاصطلام ونحوه، والظالم لنفسه ليس صفوة العباد ولا خلاصتهم ولا لبهم فلا يكون مصطفى، قالوا: ولأن الله سلَّم على المصطفين من عباده فقال: {قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِين اصطفى} [النمل: 59]، وهذا يقتضى سلامتهم من كل شر وكل عذاب، والظالم لنفسه غير سالم من هذا ولا هذا فكيف يكون من المصطفين؟ قالوا: وأيضاً فطريقة القرآن أن الوعد المطلق بالثواب إِنما يكون للمتقين لا للظالمين كقوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} [مريم: 63] فأَين الظالم لنفسه هنا؟ وقوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِى وُعِدَ المُتَّقون} [الفرقان: 15]، وقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعدَّت لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 132]، وقوله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً} [النبأ: 31- 36]، [والقرآن] مملوءٌ من هذا، ولم يجيء [فيه موضع واحد بإطلاق الوعد بالثواب للظالم لنفسه أصلاً
قالوا: وأيضاً فلم يجيء] فى القرآن ذكر الظالم لنفسه إِلا فى معرض الوعيد لا الوعد، كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِين} [الزخرف: 74-76]، وقوله: {فَقَالُوا رَبَّنَا بِاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعْلْنَاهُمْ أحَادِيثَ ومزقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 99]، وقوله: {وَمَا ظَلَمْناهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 118] [وقوله لا ينال عهدى الظالمين وقوله: أن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون] قالوا: وأَيضاً فالظالم لنفسه هو الذى خفت موازينه ورجحت سيئاته، والقرآن كله يدل على خسارته وأَنه غير ناج كقوله تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ} [الأعراف: 8-9] وقوله: {وأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 8- 9]، فكيف يذكر وعده بجناته وكرامته للظالمين أنفسهم الخفيفة موازينهم؟ قالوا: وأيضاً فقوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} [يدخلونها] مرفوع لأنه بدل من قوله: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ وهو بدل نكرة من معرفة كقوله: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} [العلق: 15- 16]، وحسن وقوعه [مجيء النكرة موصوفة لتخصيصها بالوصف وقربها من المعرفة ومعلوم أن المبدل منه هو] "الفضل الكبير" مختص بالسابقين بالخيرات، والمعنى أن سبقهم بالخيرات بإذنه ذلك هو الفضل الكبير وهو جنات عدن يدخلونها، وجعل السبق بالخيرات نفس الجنات لأنه سببها وموجبها.
قالوا: وأيضاً فإنه وصف حليتهم فيها بأنها أساور من ذهب ولؤلؤ، وهذه جنات السابقين لا جنات المقتصدين، فإن جنات الفردوس أربع كما ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداءُ الكبرياءِ على وجهه فى جنة عدن".
ومعلوم أن الجنتين الذهبيتين أَعلى وأَفضل من الفضيتين فإذا كانت الجنتان الذهبيتان للظالمين لأنفسهم، فمن يسكن الجنتين الفضتين؟ فعلم أن هذه الجنات المذكورة لا تتناول الظالمين لأنفسهم قالوا: وأيضاً فإن أقرب المذكورات إلى ضمير الداخلين هم السابقون بالخيرات فوجب اختصاصهم بالدخول إلى الجنات المذكورات. قالوا: وفى اختصاصهم- بعد ذكر الأقسام- بذكر ثوابهم والسكوت عن الآخرين ما هو معلوم من طريقة القرآن إذ يصرح بذكر ثواب الأبرار والمتقين والمخلصين [والمحسنين ومن رجحت حسناتهم ويذكر عقاب الكفار] والفجار والظالمين لأنفسهم ومن خفت موازينهم، ويسكت عن القسم الذى فيه شائبتان وله مادتان هذه طريقة القرآن كقوله تعالى:{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ}[الانفطار: 13- 14]، وقوله: {فأَمَّا مَن طَغَى وآثر الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمِ هِى الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِى الْمَأْوَى} [النازعات 37- 41]، وهذا كثير فى القرآن قالوا: وفى السكوت عن شأْن صاحب الشائبتين تحذير عظيم وتخويف له بأَن أَمره مرجأٌ إلى الله وليس عله ضمان ولا له عنده وعد، وليحذر كل الحذر وليبادر بالتوبة، النصوح التى تلحقه فالمضمون لهم النجاة والفلاح.
قالوا: وأيضاً فمن المحال أن يقع على أحد من المصطفين اسم الظلم مطلقاً، على الكافر، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِن قَبْل أن يَأْتِى يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254]، وقال [تعالى]: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِن وَلِى وَلا نَصِيرٍ} [الشورى: 8] مع قوله: {اللهُ وَلِى الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 257] والظالم لا ولى له [ولا] يكون من المؤمنين.
قالوا: وأيضاً فمن تدبر الآيات وتأمل سياقها وجدها قد استوعبت جميع أقسام الخلق، ودلت على مراتبهم فى الجزاءِ، فذكر سبحانه أَن الناس نوعان: ظالم، ومحسن. ثم [قسم] المحسن إلى قسمين: مقتصد، وسابق، ثم ذكر جزاء المحسن، فلما فرغ منه ذكر جزاءَ الظالم فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36]، وقال [تعالى]: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلَهٌ مِن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 29]، فذكر أنواع العباد وجزاءَهم قالوا: وأيضاً فهذه طريقة القرآن فى ذكر أصناف الخلق الثلاثة كما ذكرهم الله تعالى فى سورة الواقعة والمطففين وسورة الإنسان، فأما سورة الواقعة فذكرهم فى أولها وفى آخرها فقال فى أولها: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً فأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ فِى جَنَّاتِ النَّعِيم} [الواقعة: 7- 12]، فأصحاب المشأَمة هم الظالمون.