الفرق بين النبي والرسول
يفرق عامة أهل العلم بين النبي والرسول ـ وشذ من لم يفرق ـ ويعتمدون في تفريقهم على بعض الآيات ـ ستأتي فيما بعد ـ وحديث أبي ذر وأبي أمامة ـ رضي الله عنهما ـ وهما مقبولان بالجملة وسنورد كلام أهل العلم عنهما فيما يأتي .
وسنذكر هنا قول من قال بعدم الفرق ثم نورد الرد عليه ثم نبدأ بذكر أقوال أهل العلم في التفريق ، وأحب أن أبين أنه لا دليل يرجع له في التفريق وكل قول عليه اعتراضات وقد لا يسلم شيء منها من اعتراض ولكن التفريق للأغلب .
وأقوال أهل العلم في التفريق بين النبي والرسول كالتالي :
القول الأول : أن النبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالبلاغ والرسول من أوحي إليه وأمر بالبلاغ .
القول الثاني : النبي من بعث بواسطة جبرائيل ـ عليه السلام ـ والنبي من بعث مناما . وهو أضعف الأقوال .
القول الثالث : أن الرسول من بعث لقوم مخالفين والنبي من أرسل لقوم موافقين .
القول الرابع : أن الرسول من أوحي إليه بشرع جديد والنبي من بعث مجددا لشرع من قبله من الرسل .
هذه الأقوال التى وقفت عليها وسنبدأ بقول من قال بعدم الفرق .
قال الشيخ العلامة رئيس محاكم قطر ابن محمود ـ رحمه الله ـ : ( كل نبي فإنه رسول وأنه لا فرق بين الرسول والنبي إلا بمجرد الاسم والمسمى واحد ) ( 1) !!.
قال الشيخ العلامة حمود التويجري ـ رحمه الله وغفر له ـ : ( فجوابه من وحهين أحدهما أن يقال قد دل القرآن والسنة على التفريق بين الرسول والنبي ، والقرآن الكريم هو حجة الله على العالمين . فأما الدليل من القرآن فقد قال الله تعالى في سورة الحج { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشطان أمنيته } الآية فقد فرق تبارك وتعالى بين الرسول والنبي وعطف النبي على الرسول والعطف يقتضي المغايرة ( 2) .
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في كتب الإيمان : ( وعطف الشيء على الشيء في القرآن وسائر الكلام يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي ذكر لهما ) . وسيأتي قول الرازي : ( أن عطف النبي على الرسول يوجب المغايرة وهو من باب عطف العام على الخاص ) .
وادخال حرف " لا " بين الواو والعطف والمعطوف صريح في التفريق بين الرسول والنبي كقوله تعالى : { مالك من الله من ولي ولا نصير } وقوله : { مالهم من دونه من ولي ولا شفيع } وقوله تعالى : { مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ } وقوله تعالى : { فما له من قوة ولا ناصر } وأمثال هذه الآيات . وقد جاء في " تنوير المقباس . من تفسير ابن عباس " ما نصه : (( { وما أسلنا من قبلك } يا محمد { من رسول } مرسل { ولا نبي } محدث ليس بمرسل { إلا إذا تمنى } قرأ الرسول أو حدث النبي { ألقى الشيطان أمنيته } في قراءة الرسول وحديث النبي ) .
وقال ابن جرير في تفسير هذه الآية { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان أمنيته } الآية : ( فتأويل الكلام ولم يرسل يا محمد من قبلك من رسول إلى أمة من الأمم ولا نبي محدث وليس برسل إلا إذا تمنى ) ( 3) . وقال القاضي عياض : ( المعنى وما أرسلنا من رسول إلى أمة أو نبي ليس مرسل إلى أحد ) . وقال الثعالي في تفسير قوله تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } : ( الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل عيانا وما ورثه إياه شفاها ، والنبي الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا ) . وقال الواحدي في قول الله تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } : ( الرسول الذي أرسل إلى الخلق بارسال جبريل إليه عيانا ومحاورته شفاها ، والنبي الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا ) قال وهذا معنى قول القراء : ( الرسول النبي المرسل ، والنبي المحدث الذي لم يرسل ) انتهى منقولا من " تهذيب الأسماء واللغات " لأبي زكريا النووي . وقال البغوي في تفسير هذه الآية { وما أرسلنا من قبلك من رسول } : [ وهو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا ( ولا نبي ) وهو الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما ، وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا ] (4 ) .
وقال الزمخشري في قوله تعالى : { من رسول ولا نبي } : ( دليل بين على تغاير الرسول والنبي ) . وقال الرازي في تفسير هذه الآية { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } الآية : ( المسألة الأولى من الناس من قال الرسول هو الذي حدث وأرسل ، والنبي هو الذي لم يرسل ولكنه ألهم أو رأى في النوم ، ومن الناس من قال إن كل نبي يكون رسولا وهو قول الكلبي والفراء ، وقالت المعتزلة : كل رسول نبي وكل نبي رسولا ولا فرق بينهما ثم ذكر الرازي أن هذه الآية دالة على أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول رسولا ، وقال لأنه عطف على الرسول وذلك يوجب المغايرة وهو من باب عطف العام على الخاص . وقال في موضع آخر : ( وكم أرسلنا من نبي في الأولين ) وذلك يدل على أنه كان نبيا فجعله الله مرسلا وهو يدل على قولنا ) . وقال القرطبي في تفسيره عند قول الله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } الآية : ( وقال الفراء الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عيانا ، والنبي الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا ، قال المهدوي وهذا الصحيح أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا ، وكذا ذكر القاضي عياض في كتاب الشفاء ، قال والصحيح والذي عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا واحتج بحديث أبي ذر وأن الرسل من الأنبياء ثلاثمائة وثلاثة عشر أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ) .
وقال عبدالله بن أحمد بن محمود النسفي المتوفى سنة سبعمائة وعشر في تفسيره في الكلام على قول الله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } : ( هذا دليل بين على ثبوت التغاير بين الرسل والنبي بخلاف ما يقول البعض أنهما واحد ) . وقال ابن جزيء الكلبي الغرناطي في تفسيره في الكلام على قول الله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } الآية : ( النبي أعم من الرسول فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا فقدم الرسول لمناسبته لقوله وما أرسلنا وأخر النبي لتحصيل العموم لأنه لو اقتصر على رسول لم يدخل في ذلك من كان نبيا غير رسول ) . وفي تفسير مجاهد عند قول الله تعالى في سورة مريم { وكان رسولا نبيا } قال : النبي هو الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل ، والرسول هو الذي يرسل . وقد قال سفيان الثوري إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به ، وروى محمد بن اسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد قال عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إل خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها ، وروى ابن جرير عن أبن أبي مليكة قال رأيت مجاهدا سأل عن ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه قال فيقول له ابن عباس أكتب حتى سأله عن التفسير كله . وعلى هذا فقول مجاهد في تفسير الآية من سورة مريم يحتمل أنه مما أخذه عن ابن عباس رضي الله عنهما والله أعلم . وقال القرطبي في تفسير سورة الأعراف عند قوله تعالى :{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ } الآية
قال : ( والرسول والنبي إسمان لمعنيين فإن الرسول أخص من النبي وقدم الرسول اهتماما لمعنى الرسالة وإلا فمعنى النبوة هو المتقدم ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على البراء حين قال : " وبرسولك الذي أرسلت " فقال : " قل بنبيك الذي أرسلت " خرجه في الصحيح ، وأيضا فإن قوله [ وبرسولك الذي أرسلت ] تكرير الرسالة وهو معنى واحد فيكون كالحشو الذي لا فائدة فيه بخلاف [ ونبيك الذي أرسلت ] فإنهما لا تكرار فيهما وعلى هذا فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا لأن الرسول والنبي يشتركان في أمر عام وهو النبأ وافترقا في أمر وهي الرسالة فإذا قلت محمد رسول من عند الله تضمن ذلك أنه نبي ورسول وكذلك غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم ] . وقال ابن كثير في تفسير سورة الأحزاب عند قول الله تعالى { ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } : ( فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا ينعكس ) .
وقال ابن كثير أيضا في تفسير سورة المدثر بعد ما قرر أن أول من نزل من القرآن أول سورة { أقرأ } قال : ( وقوله تعالى : { قم فأنذر } أي شمر عن ساق العزم وأنذر الناس وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة ) . وأما الدليل من السنة ففي عدة أحاديث أحدها ما رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضؤك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول " فقلت أستذكرهن : وبرسولك الذي أرسلت قال " لا ، ونبيك الذي أرسلت " ، وفي رواية الترمذي قال البراء فقلت وبرسولك الذي أرسلت قال فطعن بيده في صدري ثم قال " وبنبيك الذي أرسلت " .
وهذا الحديث صريح في التفريق بين الرسول والنبي وقد استدل به غير واحد من أكابر العلماء على التفريق بينهما ، وقد تقدم كلام القرطبي في ذلك تقريبا . وقال الخطابي : ( والفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو المأمور بتبليغ ما أنبئ وأخبر به ، والنبي هو المخبر ولم يؤمر بالتبليغ ، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا . قال ومعنى رده على البراء من رسولك إلى نبيك أن الرسول من باب المضاف فهو ينبئ عن المرسل والمرسل إليه فلو قال ورسولك ثم قال الذي أرسلت لصار البيان مكررا معادا ، فقال ونبيك الذي أرسلت إذ قد كان نبيا قبل أن يكون رسولا ليجمع له الثناء بالإسمين معا ويكون تعديدا للنعمة في الحالين وتعظيما للمنة على الوجهين ). وقد نقله عنه ابن الاثير في جامع الأصول وأقره .
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في قوله وبرسولك الذي أرسلت قال " لا وبنبيك الذي أرسلت " : ( قال القرطبي تبعا لغيره هذا حجة لمن لم يجز نقل الحديث بالمعنى وهو الصحيح من مذهب مالك ، فإن لفظ النبوة والرسالة مختلفان في أصل الوضع فإن النبوة من النبأ وهو الخبر ، فالنبي في العرف هو المنبأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفا ، وإن أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول وإلا فهو نبي غير رسول ، وعلى هذا فكل رسول نبي بلا عكس ، فإن النبي والرسول إشتركا في أمر عام وهو النبأ وافترقا في الرسالة فإذا قلت فلان رسول تضمن أنه نبي رسول ، وإذا قلت فلان نبي لم يستلزم أنه رسول فأراد صلى الله عليه وسلم أن يجمع بينهما في اللفظ لاجتماعهما فيه حتى يفهم من كل واحد منهما من حيث النسق ما وضع له وليخرج عما يكون شبه التكرار في اللفظ من غير فائدة ) .
القول الأول : أن النبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالبلاغ والرسول من أوحي إليه وأمر بالبلاغ .
-------------------------------------
([1]) لم أقف على هذا الكتاب .
([2]) ( فتح المعبود في الرد على ابن حمود ) حمود بن عبدالله التويجري ص 120 وما بعدها ـ الطبعة الأولى 1399هـ ـ الأتي نقلا عن الشيخ حمود بتصرف .
([3]) تفسير الطبري 17/189
([4]) تفسير البغوي 3/293 .