بر الوالدين في القرآن
لقد جاءت آيات الله ، متضافرة متعاقبة تضع مرضاة الوالدين بعد مرضاة الله، وتعد الإحسان إليهما فضيلة تلي فضيلة الإيمان بالله، لما لهذا الحق من التعظيم والإجلال والاحترام، فقال سبحانه "وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" [النساء: 36] وقال: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" [الأنعام: 151].
وقد أوصى الله بالإحسان إليهما فقال: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا" [العنكبوت: 8] وقال: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" [لقمان: 14].
ويستمر القرآن الكريم في تصوير مكانة الوالدين، وبيان الأسلوب الذي ينبغي للمسلم أن يتبعه في معاملة والديه، إن قدر لهما أو لأحدهما أن يصل إلى مرحلة الشيخوخة والضعف والعجز فيقول سبحانه:" وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرً" [الإسراء: 23، 24].
ويتجلى ذلك بأن تتبع معهما أمورًا خمسة:
أولا: ألا تتأفف من شيء تراه أو تشمه من أحدهما أو منهما مما يتأذى به الناس، ولكن اصبر على ذلك منهما، واحتسب الأجر عليه من الله كما صبرا عليك في صغرك، واحذر الضجر والملل القليل والكثير.
ثانيًا: ألا تنغص ولا تكدر عليهما بكلام تزجرهما به.
ثالثًا: أن تقول لهما قولاً حسنًا لينًا مقرونًا بالاحترام والتعظيم مما يقتضيه حسن الأدب، وترشد إليه المروءة كأن تقول: يا أبتاه أو يا والدي ويا أماه أو يا والدتي ، ولا تدعها بأسمائهما، ولا ترفع صوتك أمامهما، ولا تحدق فيهما بنظرك بل يكون نظرك إليهما نظر لطف وعطف وتواضع، وقد قال سبحانه:" وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ" قال عروة: إن أغضباك فلا تنظر إليهما شذرًا، فإن أول ما يُعرف به غضب المرء شدة نظره إلى من غضب عليه.
رابعًا: أن تدعو الله أن يرحمهما برحمه الواسعة جزاء رحمتها لك، وجميل شفقتهما عليك.
خامسًا: أن تتواضع لهما وتتذلل، وتطيعهما فيما أمراك به ما لم يكن معصية لله، وتشتاق وترتاح إلى بذل ما يطلبان منك، رحمة منك بهما وشفقة عليهما إذا هما قد احتاجا إلى من كان أحوج الناس إليهما أيام كان في غاية العجز بحيث لو غفل عنه والده قليلا من الزمن لهلك.
والأمر بالإحسان: إلى الوالدين عام ينضوي تحته ما يرضي الابن وما لا يرضيه من غير احتجاج ولا جدل ولا مناقشة، بل إن القرآن الكريم ليسمو بتوجيهاته إلى الذروة في البر، فيوصي ببر الوالدين والإحسان إليهما ولو كانا مشركين، فيقول سبحانه، "وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا" [لقمان: 15].