عبودية أهل العافية
العافية : هي من أعظم نعم الله على عبده ، فاحمد الله على عفوه، ومعافاته، واعلم أن ذلك يفتح لك بابا من العبودية، متى قمت بحقه، كان ذلك خيرا لك في الدنيا والآخرة، وهو مقام "الشكر" لله جل جلاله، فهذه عبودية أهل العافية، أن يقوموا لله بشكره.
قال الله تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) [البقرة/152 ] . وقال تَعَالَى : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) [إبراهيم /7] .
وقال تعالى، في صفة دعاء العبد الصالح: ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [الأحقاف/15] .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا " رواه مسلم (2734).
وعن معاذ بن جبل: أن رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - أخذ بيدِه وقال: " يا معاذُ ؛ والله إني لأحِبُّك " .
فقال: " أُوصيكَ يا معاذ ؛ لا تَدَعن في دُبُر كُل صلاةٍ تقول: اللهُمَّ أعني على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتك " رواه أبو داود (1532) وغيره، وصححه الألباني.
قال ابن القيم رحمه الله: " ومن منازل ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [الفاتحة: 5] منزلة الشكر.
وهي من أعلى المنازل. وهي فوق منزلة الرضا وزيادة. فالرضا مندرج في الشكر. إذ يستحيل وجود الشكر بدونه.
وهو نصف الإيمان - كما تقدم - والإيمان نصفان: نصف شكر. ونصف صبر.
وقد أمر الله به. ونهى عن ضده، وأثنى على أهله. ووصف به خواص خلقه. وجعله غاية خلقه وأمره. ووعد أهله بأحسن جزائه. وجعله سببا للمزيد من فضله. وحارسا وحافظا لنعمته. وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته. واشتق لهم اسما من أسمائه. فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورا. وهو غاية الرب من عبده. وأهله هم القليل من عباده. قال الله تعالى: ( واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ) [النحل: 114] وقال : ( واشكروا لي ولا تكفرون ) [البقرة: 152] وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه ) [النحل: 120 - 121] وقال عن نوح عليه السلام : ( إنه كان عبدا شكورا ) [الإسراء: 3] وقال تعالى: ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) [النحل: 78] وقال تعالى: ( واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ) [العنكبوت: 17] وقال تعالى: ( وسيجزي الله الشاكرين ) [آل عمران: 144] وقال تعالى: ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) [إبراهيم: 7] وقال تعالى: ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) [إبراهيم: 5] .
وسمى نفسه شاكرا وشكورا وسمى الشاكرين بهذين الاسمين. فأعطاهم من وصفه. وسماهم باسمه. وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلا.
وإعادته للشاكر مشكورا. كقوله: ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) [الإنسان: 22] ورضا الرب عن عبده به. كقوله: ( وإن تشكروا يرضه لكم ) [الزمر: 7] وقلة أهله في العالمين تدل على أنهم هم خواصه. كقوله: ( وقليل من عبادي الشكور ) [سبأ: 13] .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تورمت قدماه. فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ " انتهى، من "مدارج السالكين" (2/222-223).