عقيدة السلف هي الإثبات، لا التفويض ولا التأويل
عقيدة السلف هي الإثبات، لا التفويض ولا التأويل
أكثر ما يتبجح به من لم يحط علما بمعتقد السلف أنهم مفوضة وأن من بعدهم من الخلف مؤولة ، ويبنون على هذا أن من لم يقل بالتفويض ولا بالتأويل فهو المبتدع ، ومن فوّض أو أوّل فهو على صراط مستقيم حتى قال قائلهم :
وكل نص أوهم التشبيها * أوّله أو فوّض ورم تنزيها[1]
ثم يتحيرون فلا يعرفون حقا ولا يهتدون سبيلا فيقولون : طريقة السلف أسلم – يعنون التفويض - وطريقة الخلف أعلم – يعنون التأويل . وهذا كله خطأ أورث خطأ . بل طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم ، وطريقة غيرهم أظلم وأسقم وأغشم. فالسلف هم الذين زكّى الله طريقهم وهدّد بالعذاب من خالف سبيلهم . وهم خير الأمة بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم . فكيف يقال إن المتكلمين الحيارى أعلم منهم بالله وما يليق به ؟! فالسلف لم يكونوا يفوّضون معاني صفات الله عز وجل لأنهم لم يكونوا يجهلون معانيها ، ولم يؤولوا شيئا منها لأنهم لم يتوهموا مشابهة صفات الخالق بصفات المخلوق فيحتاجوا لما احتاج إليه أهل الكلام من التأويل .
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى :
قد فسر علماء السلف المهم من الألفاظ وغير المهم ، وما أبقوا ممكنا ، وآيات الصفات وأحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصلا ، وهي أهم الدين ، فلو كان تأويلها سائغا أو حتما لبادروا إليه ، فعلم قطعا أن قراءتها وإمرارها على ما جاءت هو الحق ، لا تفسير لها غيرُ ذلك ، فنؤمن بذلك ونسكت اقتداء بالسلف، معتقدين أنها صفات لله تعالى استأثر الله بعلم حقائقها (يعني كيفيتها) وأنها لا تشبه صفات المخلوقين ، كما أن ذاته المقدسة لا تماثل المخلوقين. فالكتاب والسنة نطق بها ، والرسول ^ بلّغ ، وما تعرض لتأويل مع كون الباري قال :﴿لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ النحل : 44]، فعلينا الإيمان والتسليم للنصوص ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .[2]
-----------------------------------------
[1] جوهرة التوحيد مع حاشية الباجوري ، ص55 . والنصوص الصريحة لا توهم التشبيه في العقول الزكية ، وإنما الوهم من العقول الكليلة التي أصيبت بمرض الكلام والفلسفة والتي لا تفهم أن لله صفات تليق بجلاله وكماله مغايرة لصفات البشر المناسبة لحالهم وعجزهم وافتقارهم.
[2] سير أعلام النبلاء (10/505-506)