فيا قلبي العليل!.. إخلاصَك إخلاصَك!
قبل فوت الأوان! إخلاصَك في كل كلمة، إخلاصَك في كل خطوة، إخلاصَك في كل حركة، إخلاصَك في كل سَكَنَةٍ، إخلاصَك في كل فكرة،
إخلاصَك في كل خَطْرَةٍ! فالإخلاص هو صمام أمانك، وهو بوصلة سيرك، وميزان عملك، وضمان وصولك! وإنك إن تَعِشْ لحظةً واحدة بغير إخلاص؛ تكن قد وضعت مصيرك على فوهة مدفع الشيطان! فالنجاءَ النجاءَ، والبدارَ البدارَ، والفرارَ والفرارَ إلى الاحتماء بحصن الإخلاص قبل فوات الأمان!
وتسألني يا صاح: كيف السبيل إلى التحقق بالإخلاص؟.. وليس لي إلا أن أجيبك بكلمتين: الإخلاص قَرَارٌ ومُكَابَدَةٌ! أو قل: عزيمةٌ ومجاهَدةٌ! وإنما هذا قَبَسٌ ساطعٌ من نور القرآن، إنه من تجليات قوله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
(البقرة: 218).
فكما ترى هذه مراتب ثلاث: الإيمان، والهجرة، والجهاد. فالإيمان أساس لا يصح عمل بدونه.
لكن الإيمان لا يرتقي إلى مقام الإخلاص، والولاء الكامل لله إلا بالهجرة! فالهجرة هي القضية! وهي التي تحتاج إلى ذلك القرار وإلى تلك العزيمة!
نعم! إن الهجرة الحسية باعتبارها ضرباً في الأرض واغتراباً، لا يمكن أن تقع إلا بعد تفكير وتقدير، وطول تدبير! وذلك معنى العزم أو القرار. وكذلك هجرة الروح إلى منـزلة الإخلاص! لا بد فيها من قرار مكين متين، تتخذه النفس في خاصة أمرها، وتوثق عليه عهدها مع الله! وإلا فإن كبار القضايا لا تنال بالتمني!
حتى إذا انطلقت النفس في تصفية بواطنها، وتخليص رغائبها ومقاصدها، فَوَحَّدَتْ قِبْلَتَهَا قَصْداً واحداً،
لا تخالطه الأغيار ولا تكدره الأكدار، فكان الله – جل جلاله – وحده هو مرادها، لا ترى لها مقصودا سواه، ولا تأذن للسانها بأي كلمة أو خطوة في الدين والدعوة، إلا إذا كانت خالصة لله؛ فإنها حينئذ تصبح في حاجة شديدة إلى الجهاد..! جهاد تقاتل فيه غارات الشيطان المتغيظ
من اعتصامها بإخلاصها العظيم! ولا يجد الشيطان راحته حتى يكون له من عمل ابن آم حَظٌّ ونصيب!
لكن المجاهد منصور بإذن الله!
(وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)
(الصافات: 173).
ولا يزال عبد الله المخلص في مجاهدة خواطر التحريف والتضليل في نفسه حتى يلقى الله! وبذلك يتلقى المؤمن الخالص فرقان السير إلى الله، في دينه ودعوته، ويُرْزَقُ بوصلة الاتجاه!
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
(الأنفال: 29)
تلك إذن هي طريق الإخلاص، وذلك هو مسلكه الفريد. قرارٌ ومجاهدة، فاتخذ يا صاح قرارك، وجهز سلاحك، والله معك!
فيا إلهي الرحيم..!
هذا قلبي الضعيف بين إصبعيك، تُقَلِّبُهُ كما أنت تشاء! ترى ظاهره وباطنه، وتعلم خافيه وجاهره، وتعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور..!
فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك! اللهم احفظني بكلمة الإخلاص، واعصمني بحصن الإخلاص، واهدني بنور الإخلاص!
اللهم إني أعوذ بك من عُجْبِ نفسي وهواها، وأعوذ بك من طغيانها وطغواها، وأسألك النجاة من شرها وزيغ رؤاها! اللهم إني أعوذ بك
أن ينبت فيها حظ لها، أو لأي أحد سواك! اللهم اجعل عملي خالصا لك وحدك، لا شريك لك! لا تسميع ولا تلميع! ولا تنميق ولا تزويق! اللهم إنما أنا عَبْدٌ، لا حول ولا قوة لي إلا بك؛ فأكرمني بولايتك،
واجعلني من أهلك وخاصتك، وأدخلني في رحمتك، مع عبادك المخلَصين!
وصل اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.