قال رب إني مغلوب فانتصر
نوح عليه الصلاة والسلام قال كلمة واحدة :
(أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ)
[سورة القمر]،
فما الذي حدث؟
هذه الكلمة تجلجلت في الآفاق وفُتحت لها أبواب السماء،
قال تعالى:
( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ [11] وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [12] وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ [13] تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ [14] )
[سورة القمر].
يونس عليه الصلاة والسلام: دعا في بطن الحوت فقال:
(فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [87] )
سورة الأنبياء.
مجرد الاعتراف بالخطأ، والتقصير ثم الله عز وجل يقول:
(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ [88] )
[سورة الأنبياء]
، وليس هذا خاصًا به فإن الله يقول:
(وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ [88] )
[سورة الأنبياء]
، فأين أنتم من الدعاء الذي هو سلاح المؤمن:
نريد قلوبا حية...عيونا دامعة... جباهًا تكون على الثرى والأرواح محلقة في الفضاء ... نريد صدقاً مع الله عز وجل، و دعوات حارة لا تيأس أبداً ؛ فإن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء.
الأمة اليوم مبتلاة بأمور كثيرة، ومصائب عظيمة، ففي كل مكان والجراحات تنزف منها دماء الأمة،فأين نحن من الدعاء ...
أين نحن من الاستغفار...
ألا ندري أن ما أصابنا بسب ذنوبنا فهل نحن خير من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، و قد قيل لهم:
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [165])
[سورة آل عمران]
، فيجب أن نقول لأنفسنا: كل ما أصابنا، فهو من عند أنفسنا، وبسبب ذنوبنا، وبما كسبت أيدينا، ويعفو عن كثير ...
إذن يا مؤمن، يا عبد الله : نرغب منك جزاك الله خيراً أن تقبل على الله بقلب صادق، نظيف، لا يحمل حقداً على أحد، ولا يحمل حسداً لأحد، ولا يحمل بغضاً لأحد إلا لأعداء الله من المشركين والكفار والمنافقين ...
وقلب قد تفرغ من هموم الدنيا، ومطامعها، ولسان ذاكر لله، وتدعو الله تعالى في أوقات الإجابة: كثلث الليل الآخر، وفي أدبار الصلوات المكتوبات، وفي ساعة الإجابة يوم الجمعة.
وقديما شبه دعاء المظلوم بسهام الليل كما قال الامامي الشافعي :
أتـهــزأ بالـدعـــاء وتـزدريــه * * * * ولا تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن * * * * لـهـا امـد وللأمـد انقضاء
فيمسكها اذا ما شاء ربي * * * * و يرسلها اذا نفذ القضاء
وأود أن أضيف هنا تشبيها جديدا وعصريا لدعاء المظلوم ، فتصوروا معي غواصة تقبع في أعماق البحر وترصد سفينة تبحر على سطح البحر بحارة الغواصة يستعدون لاطلاق الطوربيد أو الصاروخ بإتجاه السفينة...
الجو في الغواصة هادئ وحذر وخافت الاضاءة أشبه بجو المظلوم وهو يدعو في سكون الليل .
بينما الجو في السفينة عادة ما يكون صاخب ومتساهل وواثق من الوصول بالسلامة.
فالظالم ربما نسي ما قام به من مظالم ولا يتوقع أي ضربة وإن توقعها فلا يدري من أين ولا كيف ستأتيه.
بعد إطلاق الصاروخ تمر على بحارة الغواصة فترة من الترقب ومراقبة الرادار وكلهم أمل أن يصيب الصاروخ هدفه.
بعدما يدعو المظلوم تمر عليه فترة من الانتظار ومواصلة الدعاء وكله أمل أن يشفي الله غليل صدره من ظالمه.
فالمولى عز وجل يقول
( وَلا تَحْسَبَنَّ الله غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِموْنَ، إنَّما يُؤَخِرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيْهِ الأبْصارُ)
سورة إبراهيم
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
« إن الله يمهل الظالم ولا يهمله، إذا أخذه لا يفلته »
وورد في الشعر :
لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
أمــا والله إن الظلـم لـؤم *** ومازال المسيئ هو الظلوم
إلى ديـان يـوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصـوم
ستعلم في الحساب إذا التقينـا *** غـداً عند الإله من الملـوم