كيفية محاسبة النفس
لابد أن تحاسب نفسك في أمور خمسة:
الأمر الأول: أن تجلس كل ليلة قبل أن تنام عشر دقائق مع نفسك، فإن كان في رمضان فقبل المغرب بربع ساعة اغلق على نفسك الغرفة، أو اختل مع نفسك فترة وجيزة بعيداً عن الناس، وقل: كم سنين صليت من عمري؟ وقل مثلاً: أنا صليت حين كان عمري عشرين سنة، فإن كان كذلك بقي عليك ست سنين أو سبع منذ أن بلغت إلى أن بدأت في الصلاة، فما فاتتك من صلوات يجب أن تؤديها مع كل فرض فرضاً أو فرضين أو ثلاثة فروض، وذلك بأن تأتي قبل الفجر بساعة أو بساعتين وتقوم لله قيام الليل وتصلي يومين أو ثلاثة أو أربعة مما عليك، وإذا استطعت في عرض النهار أن تصلي مع كل ظهر ظهرين، ومع كل عصر عصرين، ومع كل مغرب مغربين فخير وبركة، وإذا لم تستطع فقد صليت ثلاثة أو أربعة أيام من التي عليك في قيام الليل، ثم بعد ذلك إن عشت سنتين أو ثلاثاً أو أربعاً فقد قضيت ما عليك من صلوات.
فإن أدركتك المنية قبل أن تقضي ما عليك من صلوات فكأنك صليت كل ما عليك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) وهكذا في أمر الصيام، وهكذا في أمر الحج، وهكذا في أمر ديون الناس وحقوقهم، وهذه هي محاسبة النفس على الفرائض والأركان.
الأمر الثاني: محاسبة النفس على النوافل، يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فالسنن المؤكدة اثنتا عشرة ركعة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، غير الشفع والوتر، وأما الشفع والوتر فقد أوجبهما أبو حنيفة ، والواجب يقترب من الفرضية.
وقد يقول قائل: إن الفرائض والنوافل والشفع والوتر كلها قد تشغل من يصليها عن عمله وطلب رزقه؟
الجواب: إذا أحب الله عبداً بارك له في إيمانه، وفي يقينه وقناعته، وبارك له في وقته، ومن أبغضه الله أماته بعد أن ضيع حياته سدى، قال تعالى: وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ [القصص:58]، وقال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
إن المسلم قد يختم القرآن ست مرات في رمضان، فإن قلت له: في غير رمضان؟ يقول: سأختمه في عشرة أيام في كل يوم ثلاثة أجزاء، هذا هو تفاعلي مع كتاب الله عز وجل.
قيل لـأحمد بن حنبل : ما أفضل الأعمال؟ قال: قراءة القرآن، قيل: بفهم أو بغير فهم؟ قيل: بفهم وبغير فهم، كما وضح الحبيب صلى الله عليه وسلم: (كل حرف في القرآن بعشر حسنات، لا أقول: (الم) حرف، وإنما ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).
إن القرآن سيدخل معنا في القبور، وسيأتي الملكان لمحاسبة كل شخص، فيأتيانه من جهة العين فتقول العين: دعني؛ إن صاحبي كان ينظر بي في كتاب الله.
فيأتيان للسان فيقول: كان صاحبي ذاكراً للقرآن يريد الله رب العالمين، فيأتيان من ناحية الأذن فتقول: لقد كان مستمعاً بي لآيات كتاب الله.
فيأتيان من ناحية القلب فيقول: كان يعي كلام الله.
فيقال: لقن الحجة، وحاج القرآن عن العبد، فصار حجة له لا حجة عليه.
اللهم اجعله لنا في الدنيا دستوراً، وفي القبر منيراً، وعلى الصراط مؤنساً، وإلى الجنة صاحباً وصديقاً يا رب العالمين!
الأمر الثالث من مسألة الحساب: مسألة حقوق الناس، فإن كان لأحد عندي شيء رددته له، فإن لم يكن عندي مقدرة أطلب منه السماح، وإن اغتبته أقول له: يا أخي! اغتبتك فسامحني.
ونحن في رمضان في الأيام الأخيرة أطلب منكم السماح، والذي ذكر أخاه بسوء، أو تكلم على أخيه بكلمة قبيحة، أو فهم موقفاً من المواقف خطأً فاغتاب أخاه غيبة فهو في حل منها، ويسامح بعضنا بعضاً.
ولنبدأ صفحة جديدة وبقلوب مضيئة مشرقة منيرة بكلام الله وذكره، قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!
الأمر الرابع في مسألة الحساب: ماذا قدمت للإسلام؟
هل قدمت ولداً صالحاً يحفظ القرآن؟ فإن لم أستطع أن أحفظ حفظت ابني، كذلك هل الأم قدمت بنتاً صالحة للإسلام؟
هل قدمت العون للمسلمين؟ هل جمعت المسلمين ولم أفرقهم؟ وهكذا يكون سؤالك لنفسك كل يوم.
إذاً: مسألة الحساب إما مسألة الجناية منك وإما مسألة العناية من ربك، والله عز وجل هو الحنان المنان الذي يعتني بك دون أن تسأل، فأنت في بطن أمك من كان يعتني بك؟ وبعد أن تخرج للحياة يا أخي المسلم؟ فإن عنايته بك باقية إلى أن يأخذك عنده مرة أخرى.
إذاً: مسألة المحاسبة درجة من درجات الهداية لابد أن ندركها وأن نتعلمها.
وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.