ما هي العلامات التي تدل على إخلاص العبد ؟


الشيخ / خالد بن عثمان السبت

يمكن أن أذكر أهم هذه الملامح و أبرزها ، أول هذه العلامات أيها الإخوة هي أن يكون همه انتشار الخير و ظهور الحق ، و تدين الناس بهذا الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم سواء كان ذلك ظاهراً على يده أو ظاهراً على يدي غيره ، المقصود تكثير الخير وتقنين الشر ، سواء كان ذلك بجهده و بتوفيق الله عز وجل له ، و أن يُكتب ذلك فيقال فلان هو الذي عمل المشروع الفلاني ، فلان هو صاحب الفكرة ، فلان هو الذي بذل الجهود من أجل الحصول على الترخيص لهذا العمل ، و هو الذي جمع أموال المتبرعين و ما إلى ذلك ، أو أنّ ذلك لم يُذكر ، و لم يطلع عليه أحد ، فالناس لا يعرفونه و ما سمعوا به قط ، و إنّما الذين ظهروا في الصورة هم قومٌ آخرون ، فهو لا يهتم بذلك ، لا يلتفت إليه ، هذا هو المخلص .


الشافعي رحمه الله كان يقول : " وددت أنّ الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا يُنسب إليّ منه حرف " ، و هو علمٌ جمّ " لا يُنسب إليّ منه حرف " ، فأين هذا ممن يرفع قضية في المحكمة على طالب علم ؛ لأنّه اقتبس بعض الاقتباسات في رسالته الماجستير أو الدكتوراه من كتاب هذا العظيم المؤلف الذي لا نظير له في عالم المؤلفين من البشر ، في زعمه اقتبس بعض الاقتباسات و لم يذكر الإحالة إلى كتابه المبجل ، دعوى تُقام في محكمة على طالب علم بحجة أنّه لم يُشر إلى كتاب هذا الإنسان الذي نُقل منه !


العلماء لازال ينقل بعضهم من بعض ، و كثيرٌ منهم لا يشير و لا حيلي ، فعلى أي شيء وقفة النفس و المخاصمة و المنازعة من إنسان ينتسب إلى العلم ، أين أنت من قول الشافعي : " وددت أنّ الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا يُنسب إليّ منه حرف " ؟ .

وكان يقول : " ما ناظرت أحداً قط على الغلبة " ، ما ناظرته لأغلبه ، لاحظ حسن القصد من البداية ، يقول : " و وددت إذا ناظرت أحداً أن يظهر الحق على يديه " ، و لهذا ما ناظر الشافعي رحمه الله رجلاً إلا غلبه ، الشافعي يغلبه و هذا بسبب إخلاصه و حُسن قصده ، و قد قال بعض من شاهده في المناظرة ، يقول : ما رأيت الشافعي يناظر أحداً إلا رحمته - يرحم المُنَاظَر- ، يقول : كأنه فرخ بين يديه ، و الشافعي رحمه الله كأنّه سَبْعٌ يلتهمه ، فهو يورد عليه الحجج من هنا و هنا ، و ذلك لا يدري كيف يجيب ، فأقول هذا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى .


و قد ذكر بعض أهل العلم مثلاً يوضح ذلك ، و هو أنّ الواعظ أو المحاضر أو المدرس أو الداعية لله عز وجل ، إذا وُجد في مكانه رجلاً أو حلّ البلد أحدٌ هو أفقه منه و أعلم منه و أبلغ منه ، و استمال قلوب الناس و أذعنوا له استفادوا منه ، و تاب على يده خلقٌ أكثر من الذين تابوا على يد الأول ، يقول : إذا كان مخلص فإنّه لا يتبرم و يفرح أنْ قد كُفي ، و أنّ هذا الخير قد ذاع و انتشر وانتفع الخلق بهذا الهُدى ، و أما إذا كان في إخلاصه نظر ، فإنّه يتبرم بذلك و يغضب ، و ربما حاول أن يتنقصه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، هذا ما إذا كاسره العداوة أصلا ً، و لربما قال فلان واعظ و ليس من أهل العلم ، فلان لا فقه له ، فلان لا رسوخ له في العلم ، و لربما دعاه باسمه المجرد ، و هذا لا إشكال فيه و لا غضاضة ، فنحن نقول أبو بكر و عمر ، لكن إذا جرى العرف أن

يقال عن العالم : العالم الفلاني و ما إلى ذلك ، و يقال للجميع إلا هذا ، فإذا ذكرته قلت فلان ، سميته باسمه فقط أو باسم عائلته فقط و نحو ذلك ، فهذا يدل على أنّك تريد انتقاصه و حط منزلته ، و لكن هيهات هيهات فإنّ الإخلاص مسك مصونٌ في مسك القلب يُنبئ ريحه على حامله ، فمهما كان الإنسان يعمل و يبذل فإنّه إن لم يرد وجه الله عز وجل يرجع إلا بالخيبة ، و إذا كان الإنسان مخلصاً جعل الله عز وجل له القبول ، فلا حاجة للتعب و لا حاجة للاستماتة للنظر إلى المخلوقين كما ذكرنا سابقا ً.

و من علامات المخلص أنّه لا يبالي بثناء الناس و مدحهم و إطرائهم ؛ لأنّه لا يريد هذا أصلاً ، أما غير المخلص فإنّ الكلمة ترضيه التي فيها تعظيمه و لو كانت باطلاً ، و لو كانت في غير حق ، و الكلمة التي تقال في حقه و هي من الحق التي – يضاف- ينسب فيها إلى شيء لا يليق تسخطه و ترهبه ، و لربما نقم على هذا القائل الذي ذكر له هذه الكلمة و يستاء من سماعها ، فهذا لا يكون مخلصاً ، المخلص يفرح بالنصيحة و يفرح بملحوظات إخوانه ليكملوه ، ليسدوا هذا النقص ، و من قال أنّه ملك من الملائكة معصوم ليس عنده أخطاء ؟ الجميع عنده أخطاء ، و إنّما يُسدد الإنسان و يعان بعد توفيق الله عز وجل بإخوانه ، حيث ينصحوه و يبينوا له عواره و اعوجاجه ، فيقوم هذا و يجاهد نفسه على إصلاح الحال بحسب طاقته ، و الله لا يُكلف نفساً إلا وُسعها ، أما أن يكون الإنسان يطرب إذا مُدح و لو بالباطل ، و يغضب إذا قيل له كلمة - كلمة نقد - و يخاصم و يشاحن على ذلك ، فهذا ليس من المخلصين .

و من علامات المخلص أنّه لا يبالي لو خرج كل قدرٍ له في قلوب المخلوقين ، المهم أنّ الله يرضي عنه ، و أنّ الله يُقربه و يجتبيه ، و هو لا يبالي بالمخلوقين أحبوه ، عظموه ، أكرموه ، أو أنهم نابذوه و عادوه و انصرفوا عنه ، همه إصلاح القلب و إصلاح العمل ، و تصحيح القصد و الإرادة و النية ، و لا يحب أن يطلع الخلق على مقادير الذر من أعماله الصالحة ، بينما الآخر أبداً همه هذه المنزلة في قلوب المخلوقين كيف يبقيها ، و لذلك إن كان فقيهاً فهو فقيه الجماهير ، فهو يفتيهم بما يميلون إليه ، إن كان مجالساً للتجار فاسمع الفتاوى التي تروق للتجار ، و إن كان مجالساً للعامة فإنّه يرخص لهم الأمور التي يميلون إليها ، و هكذا هو مع كل طائفة بحسب ما

يروق لهم ؛ من أجل ألا يفقد الجماهير ، من أجل ألا يفقد الشريحة أو القاعدة الجماهيرية التي تشاهد ندواته و محاضراته عبر القنوات الفضائية أو عبر الانترنت أو غير ذلك ، فهو يرى أنّ هذا رصيد ، كما يعبر بعضهم ( المحافظة على الشهرة أصعب من تحصيل الشهرة ) ، حكم و درر للبلداء للغافلين للمعرضين عن الله عز وجل و عن الدار الآخرة .


المحافظة على الشهرة أصعب من تحصيل الشهرة ! يا قوم أين أنتم ؟! و ما حاجته بتحصيل الشهرة حتى يحتاج إلى المحافظة على الشهرة و أنّ ذلك أمرٌ صعب ! و ما وجه الصعوبة في زعمهم ؟ وجه الصعوبة أنّه قد يصدر منه تصرف يُنفر منه الناس ، و أنّ رضا الناس غاية لا تُدرك ، بالتالي فهو دائماً في حال شد و جذب ، إذا مال الناس من هنا فهو في ميزان كميزان الذهب لا يميل عنهم و لا يصدر منه شيءٌ يغضبهم ، و إذا استفتوهُ في بعض المسائل التي تمس حياتهم و تمس معيشتهم أو الأمور التي يعنون بها ، فإنّه يعطيهم الفتاوى الملساء ، الفتاوى التي لا تجرح مشاعرهم و لا تُكدر خواطرهم ، أين هذا من الإخلاص و إرادة وجه الله عز وجل ؟

أمّا الآخر فإنّه قوال بالحق لا يهمه و لا يكترث بالناس و إن سخطوا عليه جميعاً ، المهم أنّه يتقلب في رضا الله عز وجل ، يمشي على الأرض يأكل و يشرب و ينام و الله راضٍ عنهُ ، و هذا هو المهم أيها الإخوان ، أما أن يكون الإنسان الناس يثنون عليه و يحبونه و يطرونه و إلى آخره ، و يسمع له الملايين عبر قنواتٍ فضائية ، ما حاجته لذلك إذا كان الله عز وجل يسخط عليه ؟

قرأت في بعض التقريرات لبعض كبار القساوسة ، أنّ الذين يتابعون برامجهم في بعض القنوات في أوروبا و أمريكا لربما تبلغ في بعض الإحصائيات ، الذين يتابعون البرنامج الأسبوعي له ، يزيد عن الخمسة عشر مليون إنسان ، هذه أعداد أحدهم يبني مدينة كاملة نحن نسميها مدينة دعوية و هو يسميها مدينة - لا أدري ماذا يسميها - لكنّها تكلف أكثر من 30 مليار ، هذه المدينة تستوعب عدداً لا نتخيله أبداً في عالمنا هذا من الحضور الذين يتابعون هذه الدروس و يتابعون هذه المحاضرات ، و هو نصراني نجس قذر ، يعبد ثلاثة آلهة ، و مع ذلك هل قال الخلق ، ماذا يغني عنه هذه الخلائق أيها الإخوان ، ماذا يغنون عنه ؟ هو يضلهم و تنتشر أخطائه بينهم ، و

المؤمن هو الذي يبلغ حكمة الله عز وجل و يخاف من الزلل ، و يخاف أن لا يُوفق فيخذل ، و يجري الخطأ على لسانه ، و من يُعصم من ذلك ؟ ثم ينتشر بين الناس بسبب زلته ، و يخطئ فئام من الناس بسبب غلطه ، فالمؤمن يخاف من هذا .


ثم أيضاً على (...) للمخلص أنّه إذا عرض له أمران ، أحدهما يُرضي الله عز وجل و الثاني يُرضي المخلوقين و يسخط الله تبارك و تعالى ، أحدهما يكون فيه إيثار نصيب الآخرة و الآخر إيثار نصيب الدنيا ، فإذا عرض له هذا و هذا فإنّه يقدم نصيب الآخرة ، و لو كانت النتيجة المصادرة ، و لو كانت النتيجة القتل ، و لو كانت النتيجة الحجر ، أن يُحجر على هذا الإنسان و لا يصل صوته إلى أحدٍ من المخلوقين ، حِيل بينه و بينهم ، هو لا يحاسب على ذلك ، والله عز وجل لا يقول له عند إذٍ : لماذا لم تبلغ كلمة الحق ؟ فإنه يكون معذوراً عند الله عز وجل ، و لكنّه يحمل معانٍ من الإيمان و التقوى و العلم و الهدى ما يرفعه عند الله عز وجل في أعلى المنازل .


و لذلك ذكرت لكم كلام شيخ الاسلام حينما كان في سجن القلعة ، كان يقول : " هؤلاء الذين تسببوا في سجني ، لو وزنت لهم هذه القلعة ذهباً و فضة ، ما كافأتهم على هذا العمل " ، لما حصل له من المعاني الإيمانية و ما حصل له من المعارف و الأحوال القلبية ، فهذا يقوله مع أنّه حُيل بينه و بين الناس ، و وضع في سجن لا يأتيه الناس و لا يزورونه ، حتى إنّ الورق منع منه و الأقلام ، فصار يكتب بالفحم على الجدران ، و كان هذا أشد الأشياء عليه أنّه مُنع من الكتابة ، و لم يعبئ بالناس ، لما أُدخل في سجن آخر فيه كبار المجرمين فتحول السجن إلى مكان للعبادة و العلم ، حتى إنّهم خافوا على هؤلاء منه أن يقلبهم إلى أتباع فأخرجوه من السجن ، هكذا يكون المخلص الذي يريد وجه الله عز وجل لا يهمه أن يبوأ في المراتب العالية في الدنيا ، لا يهمه أن يحصل رئاسةً أو أن يحصل منزلةً أو أن يحصل منصباً ، إنّما يريد رضا الله تبارك و تعالى .

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ ما هي العلامات التي تدل على إخلاص العبد ؟

  • إخلاص العمل لله جل جلاله

    الشيخ محمد مختار الشنقيطي

    أول قاعدة في صنائع المعروف وأساسها وأعظمها والتي يبارك الله بها: إخلاص العمل لله جل جلاله، فأول ما ينبغي على العبد

    17/09/2013 4857
  • ما معنى إخلاص النية

    فريق عمل الموقع

    السؤال العاشر : ما معنى إخلاص النية الإجابة: هو أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة وإلباطنة ابتغاء

    18/02/2018 7747
  • المسائل التي يتحقق بها التوكل على الله

    الشيخ عبد الرحمن صالح المحمود

    بعد أن عرضنا معنى التوكل وبعض النصوص الواردة فيه من الكتاب والسنة نعرض المسألة الثالثة، وهي أن التوكل على الله

    12/06/2013 5330
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day