من قسيس إلى داعية إسلامي


عادل محمد

 

  الحاج رشيد شاي مكتوب أول مسلم من أبناء قبيلة غريامة يذهب إلى الديار المقدسة لأداء الفريضة الخامسة على يد لجنة مسلمي إفريقيا، ولد مسيحياً وتربى في أحضان الكنيسة البروتستانتية حتى أصبح قسيسا بكنيسة الرب، ومندوبا وراعيا لها في مقاطعة فيتينغيني من سنة 1938 حتى اعتناقه الإسلام سنة 1993 م.

كان الحاج رشيد قبل إسلامه من أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين، ولكن الله تعالى من عليه بنعمة الإسلام ليتغير مسار حياته من قسيس نصراني إلى داعية مسلم.

وقد أسلم معه يوم إعلان إسلامه كل أتباع كنيسته الذين قدروا بثلاثمائة شخص، وحول الكنيسة الطينية التي أقامها على قطعة أرض له إلى مسجد، ثم من الله عليه بنعمة أداء فريضة الحج التي غيرت مسار حياته مرة أخرى، وزادت من حبه للإسلام والدعوة إلى الله تعالى ليهب نفسه للدعوة في سبيل الله، ويضع نصب عينيه إعادة بنى قومه إلى دينهم الأصلي : الإسلام، وبعد عودته مباشرة من الديار المقدسة، هدى على يديه أزيد من مائة من أبناء قريته إلى الإسلام بعدما كانوا مسيحيين.

وقد أجرينا معه هذه الحوار على هامش حفل أقيم للمهتدين الجدد بقريته.

* الحاج رشدي هل لكم أن تحدثونا عن كيفية اعتناقكم الإسلام ؟

لقد كنت قسيساً للكنيسة وممثلاً لها في منطقتي، وكنت أدعى جورج شاي مكتوب، وقد قضيت مدة تزيد عن الخمسين عاماً في هذا المنصب، اطلعت خلالها على كامل ما جاء في الإنجيل من آيات وسور وقصص عن عيسى وحوارييه.

واكتشفت أن ما يسميه المسيحيون الكتاب المقدس كتب بعد الصلب المزعوم للمسيح بحوالي مائة عام على يد بولس الرسول وغيره. كما اكتشفت من خلال الكتاب المقدس أن عيسى – عليه السلام - كان نبياً لم يكن ابن الله أو إلهاً كما يزعمون، وقد أشار الكتاب المقدس إلى أن عيسى لم يدخل الكنيسة قط ولم يأمر ببنائها، بل كان يؤدي صلواته في المعابد التي تشبه المساجد عند المسلمين. وقرأت في الكتاب المقدس أيضاً أن الختان ليس من عادات المسيحيين وأنه لا يدخل الكنيسة من كانا مختوناً، وهذا كلام بولس الرسول بالطبع وليس كلام عيسى المسيح عليه السلام. فقد أمر المسيح بالختان وكان مختونا. وعرفت أن الدين الوحيد الذي يأمر بالختان هو الإسلام ومن عادتنا نحن أهل غريامة أن يختن الصبي في أسبوعه الأول ولا مكان لغير المختونين في قبيلتنا..

من هنا توصلت إلى أن ديننا الأصلي نحن أهل غريامة هو الإسلام، وأن مكاننا الحقيقي الذي يجب علينا أن نتواجد فيه هو المسجد فنطقت الشهادتين أمام الملأ وتبعني ثلاثمائة شخص من أتباع كنيستي في نفس اليوم، وحولت مبنى الكنيسة التابع لي والمقام على أرضى إلى مسجد ولكن الكنيسة لم تدعني وشأني حيث قاموا بإغرائي أولا، ولما امتنعت أخذوا مني كل الامتيازات التي كنت أتمتع بها وأولها راتبي الشهري الذي كنت أتقاضاه منهم، والعطايا التي كانت تجمع لي من قبل أتباع الكنيسة في كل المنطقة التي كنت مندوباً فيها والسيارة ولكني ما زلت مصراً على اتباع عقيدة التوحيد.

* كيف كان شعوركم عن تلقيكم نبأ الذهاب إلى الحج، وكيف كان تصوركم له قبل ذلك ؟

عندما كنت مسيحيا كنت أقرأ عن نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل وعن بناء بيت اسمه الكعبة، وكنت أعتقد أن هذا ضرب من التاريخ فقط، ولم يعد له مكان في يومنا هذا، ولما أسلمت عرفت أن الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، وأن الذهاب إليه واجب شرعي على القادر، ولم أتصور أن أحظى يوما ما بفرصة أداء هذه الفريضة ؛ لهذا فقد كان خبر الذهاب إلى مكة مفاجأة لم أتوقعها قط في حياتي.

وقد حاول أبنائي وأقربائي منعي من الذهاب خوفاً علي من الموت أو عدم العودة ولكنني أصررت على موقفي مهما كلفني الأمر، وتجدر الإشارة هنا إلى أن أبناء غريامة يعتقدون أن كل من يذهب إلى الحج لن يعود إلى بلاده أبداً بل يصعد من هناك مباشرة إلى السماء، وقد تخلف زميلي الذي رشح هو الآخر لمرافقتي إلى الحج خوفاً من هذه الخرافة، لقد بكت عليّ كل الأسرة وأنا أودعهم ولم يكن أحد منهم يتوقع عودتي للديار سالماً.. في الحقيقة لقد غير ذهابي إلى الحج وعودتي تصور الناس الخاطئ لها.

* كيف وجدت الديار المقدسة ؟

في الحقيقة لم أكن أتصور أن أكون وسط هذا الازدحام الكبير الذي شهدته في مكة كما لم أعش في حياتي مواقف إيمانية مثلما عشتها في الحج، لقد جمعت مكة كل شعوب العالم وجنسياته، فأدركت أن الإسلام دين العالمين وليس للعرب فقط كما يعتقد الكثيرون، وأدركت معنى (الحمد لله رب العالمين) التي نقرؤها نحن المسلمين أكثر من عشرين مرة في اليوم.

* ما التغيير الذي أحدثه الحج في حياتكم ؟

لقد أصبحت اعتقد منذ اعتناقي الإسلام أنه هو دين الحق، وكنت أتحرك كلما سنحت لي الفرصة لدعوة بني قومي أي أنني كنت فقط استقطع مما فضل من وقتي للدعوة ولكن اعتقادي ازداد بل تضاعف مباشرة بعد أداء الفريضة التي قريتني من الله تعالى، وتضاعف بسببها نشاطي الدعوي، لقد وهبت نفسي لدعوة بني قومي وإرجاعهم إلى دينهم الأصلي الإسلام، وبدأت أول ما بدأت به قريتي التي أسلم فيها أزيد من مائة شخص بعد عودتي مباشرة من الحج بعدما كانوا كلهم مسيحيين. فأغلقت الكنيسة التي كانوا يتعبدون فيها، لقد كنت قبل ذهابي إلى الحج مثل الممرض الذي يداوي الجروح والخدوش وصداع الرأس والبطن فقط أما بعد ذهابي وعودتي من الحج فصرت كالطبيب الذي حصل على دبلوم عال يمكنه من القيام بالعمليات الجراحية المعقدة جدا، لقد تغيرت من ذلك الداعية البسيط المحدود الحركة إلى داعية يحاول إصلاح بني قومه كلهم وإرجاعهم إلى دينهم الأصلي بما أوتيت من قوة.

* كيف ترى مستقبل الدعوة في المنطقة ؟

لقد دخلت المسيحية إلى البلاد قبل حوالي مائة سنة على يد المستكشفين وتجار الرقيق الأوربيين بحجة تحرير الإنسان الإفريقي من العبودية والرق. بينما وصل الإسلام إلى المنطقة عن طريق تجار العرب والمسلمين الأوائل الذين نشروا الإسلام بحميد أخلاقهم قبل مئات السنين. لقد قام المبشرون بإنشاء كنيستين هما فري تاون FREE TOWN بممباسا وكنيسة MISSION SOCIETY في رباي وتسمى أيضاً كنيسة الدكتور كرافت بنسبة إلى مؤسسها، وقد أقام المبشرون معسكرين لأبناء المنطقة في كلا الكنيستين ليؤسسوا نواة من المسيحيين الأفارقة.

وساهم هذا في طمس الهوية الإسلامية للإنسان الغريامي ولجوء الغالبية العظمى منهم إلى داخل الغابات هروبا بدينهم وخوفاً على أبنائهم من الرق والعبودية التي كان يمارسها من يسمون بالمستكشفين الأوروبيين، وقد ازداد النشاط الكنسي بالمنطقة في العقود الأخيرة بينما انحسر دور العرب المسلمين في الاهتمام بالتجارة فقط داخل المدن، وقد أدت كل هذه العوامل إلى طمس الهوية الإسلامية للأجيال الجديدة من أبناء المنطقة ووقوعهم فريسة سهلة في يد المبشرين.

ورغم ذلك فإنك ترى أن كل شيء في المنطقة يدل على أن الإسلام كان هنا في الماضي القريب، فأسماؤنا مسلمة، وعادات الغالبية منا توافق تعاليم الإسلامي وسننه مثل الختان ودفن الميت، والامتناع عن أكل الجيف وما لم يذكر عليه اسم الله، كما أن لدينا قابلية كبيرة جدا للدخول في الإسلام أو بالأحرى العودة إليه، ولو اهتم العرب مرة أخرى بالمنطقة ودخلوا غاباتها وأدغالها، لعاد الناس كلهم أو على الأقل الغالبية منهم إلى الإسلام في زمن قياسي جداً فنحن لا نرى في المنطقة سوى منظمة إسلامية وحيدة تهتم بالدعوة وهي لجنة مسلمي إفريقيا وبعض الحركات الفردية المحتشمة بينما تهتم باقي المنظمات الإسلامية الأخرى بالعمل في المدن فقط.

واسمحوا لي أن أستغل هذه الفرصة لأوجه نداء إلى كافة المنظمات الإسلامية للاهتمام بأبناء غريامة وتسيير قوافل لدعوة الناس وإرشادهم داخل الغابات، كما أدعو كافة المحسنين لبناء مساجد ومدارس إسلامية بالغابة وتوفير أئمة ومدرسين ودعاة لتعليم أبناء المسلمين وإنقاذهم من براثن الجهل والتخلف، وحمايتهم من الكنيسة ولإرشاد الناس إلى الحق.

* ما هي أمنيتكم ؟

أتمنى أن يأتي يوم يعود فيه كل أبناء غريامة للإسلام. كما أتمنى أن أتمكن من إصلاح ما أفسدته عندما كنت مسيحياً، وأتمنى أن يحصل عدد أكبر من أبناء غريامة على فرصة للذهاب إلى الحج في المرة المقبلة لاعتقادي الجازم أن هذا أحد أهم السبل لتغيير واقع قومي وإقناعهم بالعودة إلى الإسلام.

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ من قسيس إلى داعية إسلامي

  • الثقة بالطريق

    الشيخ محمد صالح المنجد

     لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم، كان ثباته عليه أكبر.. ولهذا وسائل منها: - استشعار أن

    27/02/2013 2620
  • قصة إسلام شاب إسباني يرويها زغلول النجار

    محمد عادل

        قصة حقيقية يحكيها العالم المسلم الدكتور زغلول النجار سمعتها منه شخصياً، يقول الدكتور: في إحدى

    14/01/2010 7314
  • قصة إسلام الفرنسية مارسيل رينيه

    فريق عمل الموقع

      هي الفرنسية : مارسيل رينيه مايكل المولودة عام 1946م لأسرة شديدة الثراء ارستقراطية النزعة ترد جذورها إلي

    21/02/2010 14623
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day