موافقة السنة للقرآن الكريم
السنة شقيقة الكتاب وصنوه، وهي التي حفظها الله بحفظه، فإن الجهابذة يحفظونها وينقلونها إلينا نقية بيضاء، فيحفظونها من تحريف الوضاعين والكذابين، وقد أنفقوا الغالي والنفيس لحفظ هذه السنن، وتظهر -كما قلت- قيمة السنة عندما تعرف العلاقة الوطيدة بين القرآن والسنة، فإن السنة علاقتها -كما قال الشافعي وأجمع أهل العلم على ذلك- بالقرآن أنها مؤكدة لأحكامه، فما من حكم في كتاب الله إلا وتجد حكماً مطابقاً في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يطابق ويوافق ما في الكتاب، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29]، وقال: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ [البقرة:188]، إلى آخر الآيات، فترى الموافقة حكماً تأصيلياً من كلام النبي صلى الله عليه وسلم هو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، حيث يقول: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه)، وأكلها بالباطل لا تطيب النفس فيه، فقد وافق النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب في هذا الحكم. وكذلك قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، فهو يؤصل حكماً في كتابه على حسن المعاشرة مع الزوجات، والنبي صلى الله عليه وسلم في خطبة عرفة في حجة الوداع يقول: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم). وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن ابن عمر : (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان).
فهذه الأركان الخمسة توافق حكماً في كتاب الله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]، وقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، وقوله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فهذه كلها موافقات بالتأصيل السني لكتاب ربنا جل في علاه.