وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
والله سبحانه كما هو خالق الخلق فهو خالق ما به غناهم وفقرهم فخلق الغنى والفقر ليبتلى بهما عباده أيهم أحسن عملا وجعلهما سببا للطاعة والمعصية والثواب والعقاب قال تعالى {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}
قال ابن عباس رضى الله عنهما بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام وكلها بلاء
وقال ابن يزيد نبلوكم بما تحبون وما تكرهون لننظر كيف صبركم وشكركم فبما تحبون وما تكرهون وقال الكلبى بالشر بالفقر والبلاء والخير بالمال والولد فأخبر سبحانه أن الغنى والفقر مطيتا الابتلاء والامتحان وقال تعالى {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاَّ} فأخبر سبحانه أنه يبتلى عبده بإكرامه له وبتنعيمه له وبسط الرزق عليه كما يبتليه بتضييق الرزق وتقديره عليه وان كليهما ابتلاء منه وامتحان ثم أنكر سبحانه على من زعم أن بسط الرزق وتوسعته اكرام من الله لعبده وان تضييقه عليه اهانة منه له فقال كلا أى ليس الامر كما يقول الانسان بل قد أبتلى بنعمتى وأنعم ببلائى
واذا تأملت ألفاظ الآية وجدت هذا المعنى يلوح على صفحاتها ظاهرا للمتأمل وقال تعالى وهو الذى جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم وقال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} فأخبر سبحانه أنه زين الارض بما عليها من المال وغيره للابتلاء والامتحان كما أخبر أنه خلق الموت والحياة لذلك وخلق السموات والارض لهذا الابتلاء أيضا
فهذه ثلاثة مواضع فى القرآن يخبر فيها سبحانه أنه خلق العالم العلوى والسفلى وما بينهما وأجل العالم وأجل أهله وأسباب معائشهم التى جعلها زينة للأرض من الذهب والفضة والمساكن والملابس والمراكب والزروع والثمار والحيوان والنساء والبنين وغير ذلك كل ذلك خلقه للابتلاء والامتحان ليختبر خلقه أيهم أطوع له وارضى فهو الاحسن عملا
وهذا هو الحق الذى خلق به وله السموات والارض وما بينهما وغايته الثواب والعقاب وفواته وتعطيله هو العبث الذى نزه نفسه عنه وأخبر أنه يتعالى عنه وأن ملكه الحق وتفرده بالالهية وحده وبربوبية كل شئ ينفى هذا الظن الباطل والحساب الكاذب كما قال تعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} فنزه سبحانه نفسه عن ذلك كما نزهها عن الشريك والولد والصاحبة وسائر العيوب والنقائص من السنة والنوم واللغوب والحاجة واكتراثه بحفظ السموات والارض وتقدم الشفعاء بين يديه بدون اذنه كما يظنه أعداؤه المشركون يخرجون عن علمه جزئيات العالم أو شيئا منها فكما أن كماله المقدس وكمال أسمائه وصفاته يأبى ذلك ويمنع منه فكذلك يبطل خلقه لعباده عبثا وتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يردهم اليه فيثيب محسنهم بإحسانه ومسيئهم باساءته ويعرف المبطلون منهم انهم كانوا كاذبين ويشهدهم أن رسله وأتباعهم كانوا اولى بالصدق والحق منهم فمن أنكر ذلك فقد انكر إلهيته وربوبيته وملكه الحق وذلك عين الجحود والكفر به سبحانه كما قال المؤمن لصاحبه الذى حاوره فى المعاد وأنكره {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} فأخبر أن انكاره للمعاد كفر بذات الرب سبحانه وقال تعالى وان تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا إنا لفى خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وذلك أن انكار المعادى يتضمن انكار قدرة الرب وعلمه وحكمته وملكه الحق وربوبيته والهيته كما أن تكذيب رسله وجحد رسالتهم يتضمن ذلك ايضا فمن كذب رسله وجحد المعاد فقد أنكر ربوبيته سبحانه ونفى أن يكون رب العالمين
والمقصود أنه سبحانه وتعالى خلق الغنى والفقر مطيتين للابتلاء والامتحان ولم ينزل المال لمجرد الاستمتاع به كما فى المسند عنه قال: يقول الله تعالى: "انا نزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد من مال لابتغى اليه ثانيا ولو كان له ثان لابتغى له ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب" فأخبر سبحانه انه أنزل المال ليستعان به على إقامة حقه بالصلاة واقامة حق عباده بالزكاة لا للاستمتاع والتلذذ كما تأكل الانعام فاذا زاد المال عن ذلك أو خرج عن هذين المقصودين فان الغرض والحكمة التى أنزل لها كان التراب أولى به فرجع هو والجوف الذى امتلأ به بما خلق له من الايمان والعلم والحكمة فانه خلق لان يكون وعاء لمعرفة ربه وخالقه والايمال به ومحبته وذكره وانزل عليه من المال ما يستعين به على ذلك فعطل الجاهل بالله وبأمر الله وبتوحيد الله وبأسمائه وصفاته جوفه عما خلق له وملأه بمحبة المال الفانى الذاهب الذى هو ذاهب عن صاحبه أو بالعكس وجمعه والاستكثار منه ومع ذلك فلم يمتلىء بل ازداد فقرا وحرصا الى أن امتلأ جوفه بالتراب الذى خلق منه فرجع الى مادته الترابية التى خلق منها هو وماله ولم تتكمل مادته بامتلاء جوفه من العلم والايمان الذى بهما كماله وفلاحه وسعادته فى معاشه ومعاده فالمال ان لم ينفع صاحبه ضره ولا بد وكذلك العلم والملك والقدرة كل ذلك ان لم ينفعه ضره فان هذه الامور وسائل لمقاصد يتوسل بها اليها فى الخير والشر فان عطلت عن التوسل بها الى المقاصد والغايات المحمودة توسل بها الى أضدادها
فأربح الناس من جعلها وسائل الى الله والدار الآخرة وذلك الذى ينفعه فى معاشه ومعاده وأخسر الناس من توسل بها الى هواه ونيل شهواته وأغراضه العاجلة فخسر الدنيا والآخرة فهذا لم يجعل الوسائل مقاصد ولو جعلها كذلك لكان خاسرا لكنه جعلها وسائل الى ضد ما جعلت له فهو بمثابة من توسل بأسباب اللذة الى أعظم الآلام أدوائها
فالأقسام أربعة لا خامس لها أحدها معطل الاسباب معرض عنها الثانى مكب عليها واقف مع جمعها وتحصيلها الثالث متوصل بها الى ما يضره ولا ينفعه فى معاشه ومعاده فهؤلاء الثلاثة فى الخسران الرابع متوصل بها الى ما ينفعه فى معاشه ومعاده وهو الرابح قال تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
وقد أشكل فهم هذه الآية على كثير من الناس حيث فهموا منها أن من كان له ارادة فى الدنيا وزينتها فله هذا الوعيد ثم اختلفوا فى معناها فقالت طائفة منهم ابن عباس من كان يريد تعجيل الدنيا فلا يؤمن بالبعث ولا بالثواب ولا بالعقاب قالوا والآية فى الكفار خاصة على قول ابن عباس
وقال قتادة من كانت الدنيا همه وسدمه ونيته وطلبه جازاه الله فى الدنيا بحسناته ثم يفضى الى الآخرة وليس له حسنة يجازى بها وأما المؤمن فيجزى فى الدنيا بحسناته ويثاب عليها فى الآخرة قال هؤلاء فالآية فى الكفار بدليل قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قالوا المؤمن من يريد الدنيا والآخرة فأما من كانت ارادته مقصورة على الدنيا فليس بمؤمن
وقال ابن عباس رضى الله عنهما فى رواية أبى صالح عنه نزلت فى أهل القبلة قال مجاهد هم اهل الرياء وقال الضحاك من عمل صالحا من أهل الايمان من غير تقوى عجل له ثواب عمله فى الدنيا واختار الفراء هذا القول وقال من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب الدنيا عجل له ثوابه ولم يبخس وهذا القول ارجح ومعنى الآية على هذا من كان يريد بعمله الحياة الدنيا وزينتها وهذا لا يكون مؤمنا البتة فإن العاصى والفاسق ولو بالغا فى المعصية والفسق فإيما يحملهما على أن يعملا أعمال البر لله فيريدان بأعمال البر وجه الله وان عملا بمعصيته
فأما من لم يرد بعمله وجه الله وانما اراد به الدنيا وزينتها فهذا لا يدخل فى دائرة أهل الايمان وهذا هو الذى فهمه معاوية من الآية واستشهد بها على حديث أبى هريرة الذى رواه مسلم فى صحيحه فى الثلاثة الذين هم اول من تسعر بهم النار يوم القيامة القارئ الذى قرأ القرآن ليقال فلان قارئ والمتصدق الذى أنفق أمواله ليقال فلان جواد والغازى الذى قتل فى الجهاد ليقال هو جرئ
وكما أن خيار خلق الله هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون فشرار الخلق من تشبه بهم وليس منهم فمن تشبه بأهل الصدق والاخلاص وهو مراء كمن تشبه بالانبياء وهو كاذب
وقال ابن أبى الدنيا حدثنى محمد بن ادريس قال أخبرنى عبد الحميد بن صالح حدثنا قطن بن الحباب عن عبد الوارث عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله: "اذا كان يوم القيامة صارت أمتى ثلاث فرق فرقة يعبدون الله عز وجل للدنيا وفرقة يعبدون رياء وسمعة وفرقة يعبدونه لوجهه ولداره فيقول للذين كانوا يعبدونه للدنيا بعزتى وجلالى ومكانى ما أردتم بعبادتى فيقولون بعزتك وجلالك ومكانك الدنيا فيقول انى لم أقبل من ذلك شيئا اذهبوا بهم الى النار ويقول للذين كانوا يعبدون رياء وسمعة بعزتى وجلالى ومكانى ما أردتم بعبادتى فيقولون بعزتك وجلالك ومكانك رياء وسمعة فيقول انى لم أقبل من ذلك شيئا اذهبوا بهم الى النار ويقول للذين كانوا يعبدونه لوجهه وداره بعزتى وجلالى ومكانى ما أردتم بعبادتى فيقولون بعزتك وجلالك وجهك ودارك فيقول صدقتم اذهبوا بهم الى الجنة" هذا حديث غنى عن الاسناد والقرآن والسنة شاهدان بصدقه ويدل على صحة هذا القول فى الآية قوله تعالى {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} وذلك على أنها فى قوم لهم أعمال لم يريدوا بها وجه الله وانما أرادوا بها الدنيا ولها عملوا فوفاهم الله ثواب أعمالهم فيها من غير بخس وأفضوا الى الآخرة بغير عمل يستحقون عليه الثواب وهذا لا يقع ممن يؤمن بالآخرة الا كما يقع منه كبائر الاعمال وقوعا عارضا يتوب منه ويراجع التوحيد
وقال ابن الانبارى فعلى هذا القول المعنى فى قوم من أهل الاسلام يعملون العمل الحسن لتستقيم به دنياهم غير متفكرين فى الآخرة وما ينقلبون اليه فهؤلاء يجعل لهم جزاء حسناتهم فى الدنيا فإذا جاءت الاخرة كان جزاؤهم عليها النار اذا لم يريدوا بها وجه الله ولم يقصدوا التماس ثوابه وأجره
ثم أورد صاحب هذا القول على أنفسهم سؤالا قالوا فإن قيل الاية الثانية على هذا القول توجب تخليد المؤمن المريد بعمله الدنيا فى النار وأجابوا عنه بأن ظاهر الاية يدل على أن من راءى بعمله ولم يلتمس به ثواب الاخرة بل كانت نيته الدنيا فان الله يبطل ايمانه عند الموافاة فلا يوافى ربه بالايمان قالوا ويدل عليه قوله {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وهذا يتناول أصل الايمان وفروعه
وأجابت فرقة أخرى بأن الاية لا تقتضى الخلود الابدى فى النار وانما تقتضى أن الذى يستحقونه فى الاخرة النار وأنهم ليس لهم عمل صالح يرجون به النجاة فإذا كان مع أحدهم عمود التوحيد فإنه يخرج به من النار مع من يخرج من أصحاب الكبائر الموحدين وهذا هو جواب ابن الانبارى وغيره
والآية بحمد الله لا اشكال فيها والله سبحانه ذكر جزاء من يريد بعمله الحياة الدنيا وزينتها وهو النار وأخبر بحبوط عمله وبطلانه فاذا أحبط ما ينجو به وبطل لم يبق معه ما ينجيه فان كان معه ايمان لم يرد به الدنيا وزينتها بل أراد الله به والدار الاخرة لم يدخل هذا الايمان فى العمل الذى حبط وبطل وأنجاه ايمانه من الخلود فى النار وان دخلها بحبوط عمله الذى به النجاة المطلقة والايمان ايمانان ايمان يمنع من دخول النار وهو الايمان الباعث على أن تكون الاعمال لله يبتغى بها وجهه وثوابه وايمان يمنع الخلود فى النار وان كان مع المرائى شئ منه والا كان من أهل الخلود فالاية لها حكم نظائرها من آيات الوعيد والله الموفق وذلك قوله {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} ومنه قوله {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً}
فهذه ثلاث مواضع من القرآن يشبه بعضها بعضا ويصدق بعضها بعضا وتجتمع على معنى واحد وهو أن من كانت الدنيا مراده ولها يعمل فى غاية سعيه لم يكن له فى الاخرة نصيب ومن كانت الاخرة مراده ولها عمل وهى غاية سعيه فهى له
بقى أن يقال: فما حكم من يريد الدنيا والاخرة فانه داخل تحت حكم الارادتين فبأيهما يلحق قيل من ها هنا نشأ الاشكال وظن من ظن من المفسرين أن الاية فى حق الكافر فانه هو الذى يريد الدنيا دون الاخرة وهذا غير لازم طردا ولا عكسا فان بعض الكفار قد يريد الاخرة وبعض المسلمين قد لا يكون مراده الا الدنيا والله تعالى قد علق السعادة بإرادة الاخرة والشقاوة بإرادة الدنيا فاذا تجردت الارادتان تجرد موجبهما ومقتضاهما وان اجتمعتا فحكم اجتماعهما حكم اجتماع البر والفجور والطاعة والمعصية والايمان والشرك فى العبد وقد قال تعالى لخير الخلق بعد الرسل {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَة} وهذا خطاب للذين شهدوا معه الوقعة ولم يكن فيهم منافق ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ما شعرت أن أحد أصحاب رسول الله يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ونزلت هذه الاية والذين أريدوا فى هذه الاية هم الذين أخلوا مركزهم الذى أمرهم رسول الله بحفظه وهم من خيار المسلمين ولكن هذه ارادة عارضة حملتهم على ترك المركز والاقبال على كسب الغنائم بخلاف من كان مراده بعمله الدنيا وعاجلها فهذه الارادة لون وارادة هؤلاء لون
وها هنا أمر يجب التنبيه له وهو أنه لا يمكن ارادة الدنيا وعاجلها بأعمال البر دون الاخرة مع الايمان بالله ورسوله ولقائه أبدا فان الايمان بالله والدار الاخرة يستلزم ارادة العبد لرحمة الله والدار الاخرة بأعماله فحيث كان مراده بها الدنيا فهذا لا يجامع الايمان أبدا وان جامع الاقرار والعلم فالايمان وراء ذلك والاقرار والمعرفة حاصلان لمن شهد الله سبحانه له بالكفر مع هذه المعرفة كفرعون وثمود واليهود الذين شاهدوا رسول الله وعرفوه كما عرفوا أبناءهم وهم من أكفر الخلق بإرادة الدنيا وعاجلها بالاعمال قد تجامع هذه المعرفة والعلم ولكن الايمان الذى هو وراء ذلك لا بد أن يريد صاحبه بأعماله الله والدار الآخرة والله المستعان