من أين تأتي الأخلاق؟ ومن أين تأتي القيم؟
من أين تأتي الأخلاق؟ ومن أين تأتي القيم؟
· ينبع كامل مفهوم الأخلاق في الإسلام من الاعتقاد الإسلامي بأن الإنسان مخلوق هام وصاحب رسالة في هذه الحياة؛ كل أفعاله وتصرفاته وأقواله محسوبة عليه، وستكون لها تبعات من الثواب والعقاب، وأن كل بنيان الكون ونظامه هادف ومتوازن. فالبشرية ليست سفينة بدون بوصلة في خضم عاصفة عاتية، ولكنها مؤمنة بمجموعة من المعايير الثابتة تعالج جميع المواقف الأخلاقية المحتملة.
· وفقًا للإسلام، الأخلاق أصلها من الله عز وجل، وقوانينها لا تتغير؛ لقد خلق الله عز وجل البشر بحس أخلاقي فطري، إذا تُرك سليمًا دون أن يقع تحت عوامل إفساد أو تشويه، فإنه يتعمق ويزدهر أكثر وأكثر من خلال وحي الله من كتاب وسنة. بالتالي، فإن معرفة الصواب والخطأ (أو القانون الأخلاقي) لا تستند فقط إلى الحواس الفطرية في الإنسان أو خبرته في الحياة، ولكن أيضًا إلى المعايير الأخلاقية المطلقة (التامة والكاملة) التي حددها الله سبحانه وتعالى.
· القانون الأخلاقي في الإسلام يأتي من الله عز وجل، لذا لا يمكن تغييره، أو تعديله، أو التلاعب به ليتناسب مع رغبات البشر. سيظل دائمًا مطبقًا وملزماً لجميع البشر على حد سواء، بغض النظر عن الوقت أو المكان أو الظروف – وهو نافذ إلى يوم القيامة. كل ما حرمه الله ووصفه بأنه منكر أو خطأ سيبقى كذلك طوال الوقت، عبر مختلف الأزمنة والعصور وإلى الأبد. وإن استباحت أحد أو جميع المجتمعات المحرمات و حرموا المباحات. سيظل حرام على الإنسان أن يكذب، أن يزني، أو أن يعق والديه.
· في الإسلام، الأخلاق والعقيدة لا ينفصلان. بدون أخلاقيات حقيقية تصبح العبادة إجراء شكلي وطقوس فارغة، كما بين القرآن الكريم في قوله تعالى:
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
(البقرة 2: 177)
· كل جانب من جوانب الإسلام ترتكز قاعدته على الأخلاق؛ فرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جوهرها رسالة مبادئ وقيم، تنص كل تعاليمها على ضرورة أن يتجلى الإيمان في جميع الأخلاق والأفعال والمعاملات، وتؤثر تأثيرًا إيجابيًا على حياة الفرد والمجتمع (بما يحقق المنفعة ويدرأ الضرر)، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ (أي في الإنسانية) مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
(البخاري)
وقد اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن حُسن الخلق هو علامة اكتمال إيمان المسلم:
إِنَّ أَكْمَلَ الْـمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا
(الترمذي)
وأن حُسن الخلق أثقل الأعمال الصالحة يوم القيامة:
مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْـمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْـخُلُقِ
(الترمذي)
وأن وحسن الخلق أكثر شيء يُدخل الناس الجنة:
أَكْثُرُ مَا يُدِخْلُ النَّاسَ الْـجَنَّةَ تَقْوَى اللهِ وَحُسْنُ الْـخُلُقِ
(البيهقي)
وجهة نظر الإلحاد
· منظومة الأخلاق والقيم هي نتاج التطور والخبرة الإنسانية؛ نشأت وتطورت لسبب وحيد ألا وهو أنها ساهمت في بقاء البشر واستقرارهم وساعدت على التناسل والإنجاب.
· ” لا تقتل“، ”لا تسرق“، ”لا تكذب“ وغيرها من المعايير الأخلاقية تم تطويرها من أجل التكيف مع الحياة والحفاظ على بقاء الجنس البشري وازدهار سلالته في الكون. فالأخلاق عبارة عن عقد بين البشر كمجموعة، بموجبه يتفقوا فيما بينهم أنه لا يجوز لأي شخص إلحاق الضرر بالآخرين حتى يتمكنوا من العيش في سلام. الهدف الرئيسي من هذا الاتفاق هو زيادة حجم استفادة وسعادة الفرد في الحياة، وتقليل أسباب الأذى والشقاء.
· ليس للأخلاق أساس دائم أو مطلق أو موضوعي، المسألة بأكملها مسألة أراء وتفضيلات ومصالح؛ لا أصل لها غير ذلك، وترتبط بثقافة مجتمع بعينه أو بيئة معينة.
· يحدد المجتمع ككل (خصوصًا الفئات أو الجماعات المسيطرة فيه) قواعد الصواب والخطأ الخاصة به. ونظرًا لاختلاف الآراء والأهواء من وقت لآخر ومن مكان لآخر، فإن معايير الصواب والخطأ تختلف بدورها اختلافًا كبيراً.
· بالتالي وفقًا للإلحاد، الأخلاق ليست مبادئ ثابتة، ولكن نظام يشكله ويهيمن عليه العادات والتقاليد المجتمعية، والقوى والميول الاعتباطية. فعندما يتغير الذوق الجماعي العام في أحد المجتمعات تتغير معه معاييره الأخلاقية. قضية الشذوذ الجنسي (اللواط) هي أوضح مثال على ذلك، فما اعتبره معظم الناس تصرف مدان من الناحية الأخلاقية في الماضي أصبح في الوقت الحالي أمر مشروع عند بعض الجماعات، يشيدون به ويقيمون له احتفال. في هذه الحالة، تحول الشذوذ الجنسي من سلوك مذموم أخلاقيًا إلى مقبول أخلاقيًا.
· لأن الحياة، من وجه نظر للإلحاد، لا معنى لها في الأساس، فالأخلاق، مثلها مثل كل شيء آخر في الكون، ليس لها قيمة أو فضل جوهري؛ الهدف من الأخلاق أن يكون الإنسان سليم الأخلاق، هذا كل ما في الأمر لا أكثر ولا أقل.
“دعوني أُلخص آرائي حول ما تخبرنا به البيولوجيا التطورية الحديثة بصوت عالٍ وواضح – وهذه في الأصل هي آراء داروين: لا توجد آلهة، ولا غايات، ولا أهداف، ولا قوى موجهة بهدف من أي نوع. لا توجد حياة بعد الموت. عندما أموت أنا موقن تمامًا أني سأكون ميتًا بشكل كلي؛ هذه هي نهايتي. ولا وجود لأساس (أصل) نهائي للأخلاق، ولا وجود لمعنى نهائي للحياة، ولا إرادة حرة للبشر كذلك.“ وليام بروفين (William Provine) بروفيسور الأحياء التطورية الأمريكي.