الله في النصرانية
الأصل في النصرانية أنهم يعبدون إله واحد هو الله، ويطلق هذا الإسم "النصرانية" على الدين المنـزل من الله تعالى على عيسى عليه السلام، وكتابها الإنجيل، وأتباعها يقال لهم النصارى نسبةً إلى بلدة الناصرة في فلسطين، أو إشارة إلى صفة، وهي نصرهم لعيسى عليه السلام، وكانت هذه الصفة تخصّ المؤمنين منهم في أول الأمر، ولم يلبث أن أطلقت عليهم كلهم على وجه التغليب.
وما لبثت النصرانية أن انتشرت بين الأمم، وتكاثر عدد المسيحيين بعد رفع عيسى عليه السلام بعقود ليت بالكثيرة . وكما ذكرنا فإن الأصل هو أن النصارى يؤمنون بإله واحد هو الله، ويؤمنون بأنبياء بني إسرائيل الذين سبقوا عيسى عليه السلام، كما يؤمنون بالكتب التي نزلت على أنبياء بني إسرائيل .
ولكن المسيحية خرجت عن مفهوم وحدة الإله واتبعت بدلاً منه معتقداً غامضاً صيغ خلال القرن الرابع الميلادي، وهذا المعتقد الذي لا يزال حتى الآن موضع خلاف داخل الديانة المسيحية وخارجها، هو معتقد التثليث، وببساطة، فإن معتقد التثليث ينص على أن الله هو اتحاد بين ثلاث أشخاص مقدسين، الأب والإبن والروح القدس في كيان مقدس واحد.
ويجمع النصارى أن الله تعالى واحد بالجوهر ثلاثة بالأقنومية ويفسرون الجوهر بالذات والأقنومية بالصفات، كالوجود والعلم والحياة ويعبرون عن الذات مع الحياة بروح القدس، ويعبرون عن الإله باللاهوت وعن الإنسان بالناسوت .
وقصة هذه العقيدة المختلقة بدأت في مجمع نيقية حيث اجتمع ثلاثمائة وثمانية عشر، وقيل وسبعة عشر أسقفاً من أساقفتهم في حضور قسطنيطين ملك الروم بعد قول أريوش الأسقف إن المسيح مخلوق، وإن القديم هو الله تعالى، فعارضوه وناهضوه، وألّفوا عقيدة استخرجوها من أناجيلهم لقّبوها بالأمانة، من خرج عنها خرج عن دين النصرانية، ونصّها على ما ذكره الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل": "نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد أيشوع المسيح ابن الله بكر الخلائق كلها وليس بمصنوع إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم وكل شيء الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بروح القدس وولد من مريم البتول وصلب أيام بيلاطوس ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الواحد الحي الذي يخرج من أبيه وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثيليقية وبقيام أبداننا وبالحياة الدائمة أبد الآبدين".
ثم اجتمع منهم جمع بقسطنطينية وزادوا على النص السابق ما يلي : "ونؤمن بروح القدس المحيي المنبثق من الأب"، ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلام الأمانة أو ينقص منها.
إذاً الإله الذي يعبده النصاري كما جاء في قانون الإيمان الأثناسيوسي "إلهاً واحداً في ثلاثة وثلاثة في واحد هو الأب، وآخر هو الإبن، وثالث هو الروح القدس، وهم جميعاً شخص واحد، وليسوا ثلاثة آلهة، وإنما إله واحد والثلاثة معاً خالدون ومتساوون، ويجب عل كل من يأمل في الخلاص أن يؤمن بالتثليث على هذا النحو..".
وهذه عقيدة باطلة تنافي كل منطق، وتتعارض مع وحدانية المولى عز وجل، فضلا عن أنها تنافي وتعارض العقيدة الحقيقية التي دعا لها المسيح عليه السلام .