إبادة النصوص وبدعة تأليه يسوع


زينب عبد العزيز

المقال مترجم الى : English Français Español

بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز

أستاذة الحضارة الفرنسية

يقول توني باشبي(Tony Bushby) في كتابه " تحريف الكتاب المقدس " أن دراسته لنسخة الكتاب المقدس المعروفة باسم " كودكس سيناى " (codex Sinai)، وهى أقدم نسخة معروفة للكتاب المقدس والتى تم اكتشافها فى سيناء، و يقال أنها ترجع للقرن الرابع، أثبتت له أن هناك 14800 إختلاف بينها وبين النسخة الحالية للكتاب المقدس. وهو ما يثبت كم التغيير والتبديل الذى يعانى منه هذا الكتاب.

ويؤكد الباحث أنه لا يمكن لأحد أن يعرف حقيقة ما كانت عليه نصوص ذلك الكتاب الأصلية من كثرة ما ألمّ بها من تغيير وتحريف، وتكفى الإشارة إلى أنه فى عام 1415 قامت كنيسة روما بحرق كل ما تضمنه كتابين من القرن الثاني من الكتب العبرية، يقال أنها كانت تضم الإسم الحقيقى ليسوع المسيح.

وقام البابا بنديكت الثالث عشر بإعدام بحث لاتينى بعنوان " مار يسوع "، ثم أمر بإعدام كل نسخ إصحاح إلكساى Elxai، وكان يتضمن تفاصيل عن حياة ربي يسوع ( Rabbi Jesu ) (المزعوم).

وبعد ذلك قام البابا إسكندر السادس بإعدام كل نسخ التلمود بواسطة رئيس محكمة التفتيش الإسبانية توما توركمادا (1420-1498)، المسؤل عن إعدام 6000 مخطوطة فى مدينة سلمنكا وحدها. كما قام سلمون رومانو عام 1554 بحرق آلاف المخطوطات العبرية، وفى عام 1559 تمت مصادرة كافة المخطوطات العبرية فى مدينة براغ. وتضمنت عملية إعدام هذه الكتب العبرية مئات النسخ من العهد القديم ـ مما تسبب فى ضياع العديد من الأصول والوثائق التى تخالف أو تفضح أفعال المؤسسة الكنسية آنذاك !

صورة لقصاصة من مخطوطة سيناء الخاصة بالكتاب المقدس

ويقول تونى باشبى أن أقدم نسخة أنقذت للعهد القديم ـ قبل إكتشاف مخطوطات قمران، هى النسخة المعروفة باسم " البودليان " ( Bodleian ) التي ترجع إلى علم 1100 م. وفى محاولة لمحو أية معلومات عبرية عن يسوع من الوجود، أحرقت محاكم التفتيش 12000 نسخة من التلمود !

و يوضح المؤلف أنه فى عام 1607 عكف سبعة وأربعين شخصا، ويقول البعض 54، لمدة عامين وتسعة أشهر لترجمة الكتاب المقدس بالإنجليزية وتجهيزه للطباعة بأمر من الملك جيمس، بناء على مراعاة قواعد معينة فى الترجمة. وعند تقديمها عام 1609 للملك جيمس قدمها بدوره إلى سير فرانسيس بيكون، الذى راح يراجع صياغتها لمدة عام تقريبا قبل طباعتها.

ويقول تونى باشبى أن العديد من الناس يتصورون أن طبعة الملك جيمس هي " أصل " الكتاب المقدس، وأن كل ما أتى بعدها يتضمن تعديلات إختلقها النقاد. إلا أن واقع الأمر هو: " أن النص اليونانى الذي استخدم فى الترجمة الإنجليزية، والذى يعتبره الكثيرون نصا أصليا، لم يُكتب إلا فى حوالي منتصف القرن الرابع الميلادى، وكانت نسخة منقولة ومنقحة عن نسخ متراكمة سابقة مكتوبة بالعبرية والآرامية. وقد تم حرق كل هذه النسخ، والنسخة الحالية للملك جيمس منقولة أصلا عن نَسخ من خمس نَسخات لغوية عن الأصل الأصلى الذى لا نعرف عنه أى شىء " !!

ففى بداية القرن الثالث تدخلت السياسة بصورة ملحوظة فى مصار المسيحية التى كانت تشق طريقها بين الفِرق المتناحرة. فوفقا للقس ألبيوس تيودوريه، حوالى عام 225 م، كانت هناك أكثر من مائتين نسخة مختلفة من الأناجيل تستخدم فى نفس الوقت بين تلك الفرق..

وعندما استولى قسطنطين على الشرق الإمبراطورى عام 324، أرسل مستشاره الدينى، القس أوسبيوس القرطبى، إلى الإسكندرية، ومعه عدة خطابات للأساقفة، يرجوهم التصالح فيما بينهم حول العقيدة. وهو ما يكشف عن الخلافات العقائدية التى كانت سائدة آنذاك. إلا أن مهمة أوسبيوس قد باءت بالفشل. مما دفع بقسطنطين إلى دعوة جميع الأساقفة للحضور، وان يُحضروا معهم نسخهم من الأناجيل التى يتعاملون بها. وبذلك إنعقد أول مجمع كنسي عام سنة 325 م فى مدينة نيقية لحسم الخلافات السائدة حول تأليه أو عدم تأليه يسوع !

وفى 21 يونيو عام 325 م إجتمع 2048 كنسيا فى مدينة نيقية لتحديد معالم المسيحية الرسمية، وما هى النصوص التى يجب الإحتفاظ بها، ومن هو الإله الذى يتعيّن عليهم إتباعه. ويقول تونى باشبى " أن أولى محاولات إختيار الإله ترجع إلى حوالى عام 210 م، حينما كان يتعيّن على الإمبراطور الإختيار ما بين يهوذا المسيح أو شقيقه التوأم ربى يسوع، أي الكاهن يسوع أو الشخص الآخر، مؤكدا أنه حتى عام 325 لم يكن للمسيحية إله رسمى " !!

ويوضح تونى باشبى أنه بعد مداولات عدة ومريرة استقر الرأى بالإجماع، إذ أيده 161 وإعترض عليه 157، أن يصبح الإثنان إلها واحدا. وبذلك قام الإمبراطور بدمج معطيات التوأم يهوذا وربى يسوع ليصبحا إلها واحدا. وبذلك أقيم الإحتفال بتأليههما. ثم بدأت عملية الدمج بينهما ليصلوا إلى تركيبة "ربنا يسوع المسيح ". وطلب قسطنطين من الأسقف أوسبيوس أن يجمع ما يتوافق من مختلف الأناجيل ليجعل منها كتابا واحدا، ويعمل منه خمسون نسخة "..

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ إبادة النصوص وبدعة تأليه يسوع

  • ما المانع أن تكون هذه الأخلاق نتاج دماغ أو مجتمع؟

    محب بن مسكين

    مهما تعقد الدماغ أو تعقدت التركيبات المادية فمجموع الأصفار لن ينتج إلا صفراً مهما تضخم عدد الأصفار أو تراكب فوق بعضه. إذا كانت المادة لا تعرف خيراً ولا شراً

    28/12/2018 2886
  • استدلالات النصارى على التثليث

    فريق عمل الموقع

    ليس للنصارى على التثليث ما يستحق أن يسمَّى دليلا؛ إذ إن ما ذكروه يدل على أنهم لفَّقوا كلاماً زعموا أنه دليلٌ، فمن

    25/01/2010 5049
  • خطوات التحريف الرئيسية

    فريق عمل الموقع

      خطوات التحريف الرئيسية : لا نتناول خطوات التحريف الرئيسية باقتضاب إلا لإرتباطها الشديد بأزمة

    13/07/2011 2537
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day